توصلت إيران والقوى العالمية أمس إلى اتفاق إطار من شأنه أن يكبح برنامج طهران النووي لعشر سنوات على الأقل، وهي خطوة نحو اتفاق نهائي قد ينهي 12 سنة من سياسة حافة الهاوية والتهديدات والمواجهة.
ويمهد الاتفاق المبدئي الذي جاء بعد محادثات ماراثونية طوال ثمانية أيام في سويسرا، الطريق أمام مفاوضات حول تسوية تهدف إلى تهدئة مخاوف الغرب من أن إيران تسعى إلى صنع قنبلة ذرية في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عن الجمهورية الإسلامية.
وهو مرهون بالتوصل إلى اتفاق بحلول 30 حزيران (يونيو) المقبل. وستبقى كل العقوبات على إيران سارية حتى توقيع الاتفاق النهائي.
وانطلقت احتفالات في العاصمة الإيرانية. وأظهرت لقطات فيديو وصور بثت في مواقع التواصل الاجتماعي سيارات في شوارع طهران وهي تطلق أبواقها بينما يصفق راكبوها فرحاً.
ووصف الرئيس الأميركي باراك أوباما الاتفاق بأنه “تفاهم تاريخي مع إيران” وشبهه باتفاقات الحد من الأسلحة النووية التي عقدها رؤساء أميركيون سابقون مع الاتحاد السوفياتي، والتي جعلت “عالمنا أكثر أماناً” أثناء الحرب الباردة. لكنه حذر أيضاً من أن “النجاح ليس مضموناً”.
وما زالت هناك حاجة إلى الاتفاق على تفاصيل كثيرة. وقال ديبلوماسيون قريبون من المفاوضات إن الاتفاق هشّ. ولا يمكن استبعاد أن التفاهمات التي جرى التوصل إليها قد تنهار من الآن وحتى التاريخ المحدد لتوقيع الاتفاق النهائي. ويعتقد خبراء أن التوصل إلى اتفاق نهائي سيكون أصعب كثيراً مما حدث مع الاتفاق الإطاري.
وبمقتضى اتفاق الإطار ستوقف إيران تشغيل أكثر من ثلثي أجهزتها للطرد المركزية الجاهزة للتشغيل والتي في مقدورها إنتاج يورانيوم يمكن استخدامه لصنع قنبلة، وتفكيك مفاعل قد ينتج البلوتونيوم، وقبول إجراءات شاملة للتحقق من تنفيذ الاتفاق.
وتجاوزت المفاوضات بين إيران والقوى الست الكبرى، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، مهلة 31 آذار (مارس) الماضي مع عدم وجود ما يضمن أنها لن تنتهي بالفشل.
ويتضمن الاتفاق الإطاري الذي تعارضه بشدة إسرائيل، الحليف الرئيس للولايات المتحدة في المنطقة، قيوداً على تخصيب إيران لليورانيوم لمدة عشر سنوات.
ووفقاً لتقرير أميركي مدعم بالحقائق، وافقت إيران على أن تخفض في شكل كبير عدد ما لديها من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم الجاهزة للتشغيل إلى ستة آلاف و104 من 19 ألفاً وستشغل خمسة آلاف و60 جهازاً فقط لعشر سنوات بمقتضى الاتفاق المستقبلي مع القوى الست. وأضاف التقرير أن إيران ستستخدم فقط أجهزة للطرد المركزي من الجيل الأول أثناء تلك الفترة.
وسيجري أيضاً تقييد واحدة من أكثر المسائل حساسية أثناء المفاوضات، وهي البحوث وأعمال التطوير النووي الإيرانية.
وقال التقرير الأميركي: “وافقت إيران على عدم إجراء بحوث وأعمال تطوير مرتبطة بتخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو لمدة 15 سنة”. وأشار أيضاً إلى أن إيران ستزيل أجهز الطرد المركزي من الجيل الثاني المركبة حالياً في منشأة “نطنز”، وعددها ألف جهاز، وستضعها قيد التخزين تحت مراقبة “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” لعشر سنوات.
ويمكن استخدام اليورانيوم العالي التخصيب لصنع سلاح، وهو ما تهدف القوى الكبرى إلى منعه، في حين أن اليورانيوم المنخفض التخصيب يستخدم في محطات الطاقة. وتصرّ إيران على أنها تريد فقط برنامجاً للطاقة النووية السلمية، وتنفي أنها تهدف إلى صنع قنبلة ذرية.
وبمقتضى اتفاق الخميس، ستحصل إيران على تخفيف تدريجي للعقوبات النووية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إذا تقيدت ببنود اتفاق نهائي. وسيجري رفع بعض العقوبات التي فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدريجاً، على رغم أن عقوبات أخرى ستبقى سارية، خصوصاً تلك المرتبطة بانتشار أسلحة الدمار الشامل.
وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف: “ما زال أمامنا بعض الوقت حتى نصل إلى المرحلة التي نريد أن نكون فيها”.
وقال التقرير الأميركي إن الفشل في التقيد ببنود الاتفاق سيتسبب في “إعادة سريعة لسريان العقوبات الأميركية والأوروبية”.
وأبلغ وزير الخارجية الأميركي جون كيري الصحافيين أن هناك حاجة إلى الاتفاق على تفاصيل كثيرة، بما في ذلك الرفع المحتمل لحظر السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة، وتطوير مفاعل “آراك” الذي يعمل بالماء الثقيل ومواقع منشأة “فوردو” تحت الأرض.
والمحادثات هي أكبر فرصة لتقارب بين واشنطن وطهران منذ أن أصبحا عدوين عقب الثورة الإيرانية عام 1979، لكن أي اتفاق يواجه شكوكاً من المحافظين في البلدين كليهما.
وقال ظريف إن المجالات الأخرى لعلاقات إيران والولايات المتحدة ليس لها علاقة بالاتفاق، موضحاً: “لدينا خلافات جدية مع الولايات المتحدة”.
وقال كيري إن الولايات المتحدة ما زال لديها قلق كبير في شأن أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة. وتقف طهران في بؤرة صراعات طائفية تتراوح من سورية والعراق إلى اليمن.
وقال التقرير الأميركي إن العقوبات الأميركية على إيران في شأن “الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان والصواريخ البالستية ستبقى سارية”، في ظل الاتفاق النووي المستقبلي.
الحياة