إحدى المشاكل التي تواجه المشرعين والسياسيين الكورد اليوم، في إقليم جنوب كوردستان، هي مشكلة التجديد للرئيس مسعود البارزاني أو عدم التجديد، وقد أكد السيد البارزاني أنه يضع القرار في يد البرلمان المنتخب من الشعب الكوردي، وأضاف بأنه لن يسيء إلى سمعته وتاريخه من أجل منصب من المناصب. وهكذا فقد رمى بالكرة إلى أصحاب القرار الشرعيين في كوردستان.
ولتخطي العقبات ومن ثم الخروج بقرارٍ يستند إلى القانون والشرعية، برأيي طرح هذا السؤال أولاً:
-من الرئيس الذي يحتاجه الكورد في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخهم الحافل بالهزائم والانتصارات، بالدموع والابتسامات، بالانقسام والاتحاد…؟
للإجابة عن هكذا سؤال، يجدر بنا أن نزيل اللوحة التي توضع أمامنا بقوة السلاح أو بفرض الحزب على الشعب، أو بحكم افتراض آيديولوجي بأن هذا يجب أن يكون ممثلاً للشعب لأنه “القائد الضرورة” فكل رئاسة من ذلك النوع مصيرها مصير رئاسة علي صالح في اليمن بالتأكيد، والكورد يريدونها رئاسةً تفيد شعبهم فعلاً وتدفع بهم صوب الأمام لحفظ وحدتهم الوطنية واتمام مسيرة منجزاتهم العمرانية والاقتصادية وتبني لهم وطناً حرا وحياةً في نظام ديموقراطي يضمن لكل مكونات مجتمعهم الحرية والكرامة والمساواة في الحقوق والواجبات. إنهم لا يريدون دكتاتوريةً صدامية تجلب للبلاد الحرب والدمار، أو تلك التي تقول بصفاقة “إما الأسد أو نحرق البلد!”، والكورد لا يريدون أن يتحكم بهم مختل عقل مثل معمر القذافي الذي أدخل بلاده لعقودٍ من الزمن في عزلة أدت في النهاية إلى اندلاع ثورةٍ ضد استبداده وبالتالي إلى قتله في وضعٍ مثير للشفقة والسخرية في آنٍ واحد، كما لا يريدونها دكتاتورية مثل التي في كوريا الشمالية، تجعل من الرئيس مركز الكون، وكل ما يصدر عنه هو الأفضل لأنه معصوم عن الخطأ… فالكورد لن يسيروا في ذلك المسلك الأخرق والضار بهم أبداً، لأنهم كافحوا قروناً من الزمن من أجل أن يعيشوا في عالم تخفق عليه رايات الحرية والديموقراطية والسلام.
فهل تمكن السيد البارزاني السير في هذا الاتجاه الإيجابي في الفترة التي صار فيها رئيساً لإقليم كوردستان؟ هل سار بالكورد صوب الحرية أم العبودية والدكتاتورية؟ وهل ضم في ظله مختلف مكونات المجتمع الكوردي أم ضربها بعضها ببعض وتركها تنزف دماً بسبب تهوره، أم أثبت للعالم أجمع أنه عامل على أن تنال كل المكونات القومية والدينية والدينية والمذهبية والطائفية حقوقها في ظل رئاسته؟ ومن كان سيقوم بعملٍ أفضل مما قام به الرئيس البارزاني؟
ماذا يقول العالم الحر الديموقراطي عن السيد البارزاني؟ وما موقف القوى العظمى ومحركو النظام العالمي عن قيادة البارزاني في هذه الحقبة الخطيرة من تاريخ الكورد وكوردستان؟
هل السيد البارزاني شيوعي تكرهه الطبقات الثرية في كوردستان؟
هل السيد البارزاني إسلامي متطرّف تحاربه الأحزاب العلمانية؟
هل السيد البارزاني عدو للكادحين والثورة الأممية؟
هل السيد البارزاني خائف ومرتعد ولا يقدر على مواجهة الأعداء المهاجمين على شعب كوردستان، أم أنه يقف مع بيشمركة كوردستان في خنادق القتال وإلى جانبه أبناؤه وإخوته وأعضاء قيادات الإقليم من حزبه وحلفاء حزبه؟
هل السيد البارزاني متغطرس في تصرفاته، وغير واقعي في تصريحاته، ولا يهتم برأي أحدٍ من برلمان شعبه وحكومة الإقليم وقادة الأحزاب، أم أنه يستشيرهم (وأمرهم شورى بينهم) …؟
هل السيد البارزاني في نظر شعبنا الكوردي عامةً سياسي واقعي وشجاع يؤمن بأن قرار استقلال الإقليم مرهون باستفتاء شعبي ديموقراطي أم أنه متهور لا يدري كيف تطبخ هذه الطبخة؟
وهناك أسئلة عديدة تتلاحق قبل أن نخرج بنتيجة “واقعية” فيما إذا كان تمديد البرلمان المنتخب لرئاسة السيد البارزاني في خدمة وحدة كفاح شعبنا أم لا…
وبرأيي، إن من يسمع همسات الدول المقتسمة لكوردستان عليه قبل الهجوم على تمديد الرئاسة للسيد البارزاني وضع قائمة بأفضل مائة مرشحٍ يختاره هو / هي، وليضع اسمه / اسمها في مقدمة القائمة، وليطرح السؤال التالي على مائة شخص في الإقليم من مختلف المكونات عمن هو الأفضل من بين هؤلاء المرشحين من السيد البارزاني، كوردستانياً واقليمياً ودولياً، لمتابعة المسيرة المظفرة، ولتحويل كوردستان إلى سويسرا المنطقة مستقبلاً.
أنا شخصياً أقول وأرى – وليس لي أي منفعة شخصية من أي منصبٍ في كوردستان وخارجها – وكإنسانٍ مؤمنٍ بقضية شعبه العادلة وحق هذا الشعب في حياةٍ أفضل في الحرية، وبعيدٍ عن أرض وطنه منذ أكثر من 3 عقود من الزمن، أن ما تحقق في إقليم جنوب كوردستان، منذ انهيار نظام صدام حسين من إنجازاتٍ سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية، كان بفضل الله تعالى والتحالف المتين بين القوى السياسية الأساسية في الإقليم وبالدعم الكبير، المعنوي أولاً، لقيادة الإقليم، وفي مقدمتها لشخص السيد البارزاني من لدن المجتمع الدولي الذي يعتبر رئيس الإقليم الكوردي رجلاً شجاعاً وواثقاً من نفسه ومن قدرات شعبه وعاملاً على تحرير الكورد وبناء وطنهم الحر الديموقراطي مستقبلاً، وكوردستان بحاجة إلى جهوده، إلاّ أن شد الحبل من قبل البعض بدوافع حزبية ضيّقة في الاتجاه المعاكس ولمصالح مع دول إقليمية ومع الحكومة المركزية لن تساعد الشعب الكوردي، بل ستضره.
إن من يتكلم دفاعاً عن “الديمقراطية” ليس بديموقراطي أكثر من الألمان الذين سمحوا للمستشار الشهير هيلموت كول أن يحكمهم لمدة 16 عاماً أو اليابانيين الذين تعرّضوا لأكبر هزيمةٍ ماحقة في تاريخهم في ظل قيصرهم وألقيت عليهم قنبلتان نوويتان، ورغم ذلك لم يتخلوا عن قيادته، لا لأنهم جاهلون أو تذوقوا طعم الدكتاتورية أو لا يحبون الديموقراطية، بل لأنهم تصرفوا في الإطار الزمني الواقعي لبلادهم وما حولها بعد الحرب. والتصرف في الإطار الزمني الواقعي لشعبنا وكوردستاننا يفرض علينا جميعاً الواقعية في الاختيار، وليس مجرد التبرقع والتبرج بمساحيق “الديموقراطية!!!”.
وغريب أن ثمة من يؤمن بالوراثة في حزبه وتبادل دفة القيادة ضمن العائلة ذاتها، إلا أنه يريد فرض “الديموقراطية” في موضوع خاص فقط، ألا وهو موضوع التمديد لرئاسة السيد البارزاني أو عدمه… فيالها من لعبةٍ طفولية ومرضٍ يمكن تسميته ب”مرض الطفولية الديموقراطية!”. بعد أن تخلّصت الشعوب بحمده تعالى من “مرض الطفولية اليسارية”.
جان كورد