لم يشهد النزاع السوري، تقدمًا استراتيجيًا للقوات الحكومية، منذ أواخر العام الماضي، حيث تضاءل نفوذه بشكل واضح، لا يؤهله للسيطرة على أكثر من ربع المساحة الجغرافية للبلاد، بينما تحوله العمليات العسكرية التي تطلقها قوات المعارضة، إلى موقع الدفاع، في حين تمكن، مدعومًا بحلفائه، وتحديدًا حزب الله اللبناني، من شن عمليات عسكرية لاستكمال السيطرة على الحدود اللبنانية – السورية، حيث تدور معارك في مدينة الزبداني في محاولة لاستعادة السيطرة على آخر المدن السورية الحدودية مع لبنان.وشهد شهر مارس (آذار) الماضي، أكبر التحولات الميدانية الاستراتيجية في البلاد، إذ تراجعت القوات الحكومية أمام قوات المعارضة في الشمال، إثر سيطرتها على القسم الأكبر من محافظة إدلب، بينها مركز المحافظة، والتمدد باتجاه أطراف سهل الغاب، فضلاً عن تحقيق تقدم طفيف على جبهة حلب، بينما تقدمت قوات المعارضة على جبهة ريف درعا الشرقي، مما أتاح لها السيطرة على المنطقة والوصول إلى تخوم السويداء. ومنذ ذلك الوقت، تهاجم قوات المعارضة مدينة درعا، في محاولة لإقصاء قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد عنها، وقطع طريق دمشق، بينما تواصل قوات المعارضة هجماتها في الشمال، للتقدم باتجاه مناطق سيطرة العلويين.
ويعود تقدم المعارضة، إلى التحالفات التي نظمتها قوى المعارضة السورية في الشمال والجنوب، مما أسهم في تعزيز القوى، وتشكيل قوة ضغط عسكرية موحدة، قادرة على التقدم. وفي المقابل، يعود تراجع قوات النظام إلى حجم انتشارها على الجبهات التي تتخطى الثمانين نقطة احتكاك، كما يقول مصدر معارضة لـ«الشرق الأوسط»، فضلاً عن الاستنزاف في الجبهات منذ أربع سنوات، والإحجام عن الالتحاق بالخدمة الإلزامية، وهو ما أقر به الرئيس السوري في آخر خطاباته.
وباتت سوريا، بعد أربع سنوات على الأزمة، منقسمة إلى 5 كيانات مسلحة، أولها، القوات الحكومية السورية وحلفاؤها، وثانيها، تنظيم «داعش»، وثالثها، جبهة النصرة (وهو ذراع تنظيم القاعدة في سوريا)، ورابعها، فصائل الجيش السوري الحر المتشرذمة، وخامسها، القوات الكردية. وتتقاسم تلك الكيانات السيطرة على الجغرافيا المتشظية، بعد مقتل أكثر من 200 ألف شخص.
وتسيطر قوات النظام حاليا على 25 في المائة من الأراضي السورية بما فيها المدن الكبرى باستثناء الرقة وإدلب (شمال) ونصف مساحة مدينة حلب. ويعيش نحو 50 في المائة من السكان في المناطق الخاضعة لسيطرته، وسط تقديرات بأن دمشق تضم نحو 5 ملايين سوري، بينما تضم اللاذقية 3 ملايين ونصف المليون، وتضم طرطوس نحو مليونين ونصف المليون، بينما تضم أحياء حلب الخاضعة لسيطرة النظام نحو نصف مليون مدني.
وتشير الخارطة العسكرية في سوريا إلى أن القوات الحكومية تسيطر على معظم المدن في المحافظات الكبرى، باستثناء الرقة وإدلب، بينما فقدت السيطرة على جزء كبير من الأرياف، أهمها في حلب وإدلب وحماه (شمالا) ودير الزور (شرقا) ودرعا (جنوبا) والغوطة الشرقية لدمشق.
في الوقائع، يسيطر النظام بشكل غير كامل، على الخط الممتد من درعا جنوبًا، باتجاه مدينة حلب شمالاً، والشطر الغربي من هذا الخط، رغم أن مساحة انتشاره في إدلب تقلص منذ مارس الماضي، بينما تحكم قوات المعارضة المعتدلة وحلفاؤها من التشكيلات الإسلامية، الشريط الحدودي مع الأردن، ومع هضبة الجولان السوري المحتل في الجنوب. أما في الشمال، فإن الأكراد يسيطرون على أكثر من ثلثي الشريط الحدودي مع تركيا، وتخترق مناطق تمددهم، المنطقة الممتدة من غرب نهر الفرات في جرابلس بريف حلب الشمالي الشرقي، باتجاه مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، حيث يتقاسم تنظيم داعش مع فصائل الجيش السوري الحر وكتائب إسلامية السيطرة على تلك المنطقة، التي من المتوقع أن تكون المنطقة الآمنة التي يُحكى عنها.
ويسيطر تنظيم داعش على القسم الأكبر من الجغرافية السورية، رغم أنه يتمدد في الخلاء، وهي مناطق غير مأهولة بالسكان، وتشكل البادية السورية القسم الأكبر منها، لكنها تناهز الخمسين في المائة من الجغرافيا، وتمتد على معظم الشريط الحدودي الشرقي مع العراق، إلى العمق. ولم يحرز التنظيم تقدمًا أخيرًا، إلا في تدمر (شرق حمص) في وسط البلاد، حيث استطاع ربط مناطق سيطرته في البادية بالسورية، بمناطق سيطرته في العراق، وبات بعيدًا ما يقارب الـ85 كيلومترًا عن العاصمة السورية.
وكان نفوذ «داعش» بدأ بالانحسار، منذ مطلع العام، بعد خسارته السيطرة على مدينة كوباني ومناطق واسعة في الرقة والحسكة، بموازاة فقدانه القدرة على الهجوم وتقويض حركته، منذ بدء ضربات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب باستهداف تمركزاته، منذ سبتمبر (أيلول) 2014، علمًا أن التنظيم كان نفوذه يمتد على مساحة واسعة من شرق سوريا إلى شمالها، تناهز الـ50 في المائة من الجغرافيا السورية، بينها منابع المياه والغاز والنفط الرئيسية في البلاد.
في المقابل، بدأت جبهة النصرة تستعيد بعضًا من مناطق نفوذ لها، في الأشهر الأخيرة، بدءًا من تصفية خصومه في الشمال، وتنفيذ ضربة كبيرة للقوات الحكومية بسيطرتها على قاعدتين عسكريتين ضخمتين للقوات النظامية في ريف معرة النعمان، في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي، لتفتح الطريق باتجاه ريف حماه الغربي ومدينة إدلب، بمشاركة حلفائها في جيش الفتح، وتطرد القوات النظامية من معقل أساسي لطالما حال دون تقدم المعارضة إلى ريف حلب الغربي.
وبين تقدم تنظيمين متشددين، أصيب الجيش السوري الحر بتآكل إضافي، نتيجة فقدانه للدعم العسكري، وانشقاقات أفراد منه لصالح كتائب إسلامية. ولا يسيطر الحر على أكثر من 5 في المائة من الجغرافيا غير المتصلة، تتوزع على كيانات في الجنوب والوسط والعاصمة والشمال، بعدما كان يسيطر على نحو 20 في المائة من الجغرافيا السورية في العام 2013.
هذا، وبرز الأكراد كقوة عسكرية وقفت في وجه تنظيم داعش في معركة عين العرب (كوباني) التي استنفرت لأشهر طويلة الإعلام العالمي.
الشرق الاوسط