يتعرّض الصحافيون الفلسطينيون والعرب والأجانب ممن يحملون كاميرات تلفزيونية، أو شعارات لقنواتهم الفضائية، الى حملة من قوات الاحتلال الاسرائيلي وسلطاته، تهدف إلى منعهم من نقل ما يحدث في المدينة المقدسة بعامة، وفي الحرم القدسي، والمسجد الأقصى على وجه الخصوص. وذلك عبر اعتداءات متكررة عليهم بالضرب، وتوجيه الغازات بأنواعها تجاههم، واعتقال بعضهم واستدعاء بعضهم الآخر للتحقيق، علاوة على ما برز أخيراً من إعداد ملفات لهم في الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، وأخيراً تحرير مخالفات مالية بحقهم بدعوى عرقلة عمل جيش وشرطة الاحتلال.
وقالت آمال مرار، مراسلة «الشارقة الفضائية»، لـ «الحياة»: «هذه الفترة تشهد تصعيداً غير مسبوق من قوات الاحتلال وشرطته والمستوطنين في القدس ضّد الصحافيين والمصورين وكل من يحاول توثيق الانتهاكات، لاسيما في المسجد الأقصى وباحاته، ومحيطه، وبحكم عملي كمراسلة ميدانية، فإن علي التواجد في تلك المناطق منذ ساعات الصباح، لتغطية الأحداث المتسارعة، هم لا يريدون منا أن ننقل صورة ما يحصل في القدس إلى العالم وما يمارسونه من انتهاكات في الحرم القدسي الشريف والبلدة القديمة في القدس». وتُضيف : « الأحداث الراهنة مفصلية، إنهم ينفذون مخططات التقسيم الزماني للحرم، ولذلك هم يجدون في كاميراتنا عدواً لهم، ويستهدفوننا في شكل مباشر، عبر الضرب بالهراوات، أو الاعتقال، أو تحطيم الكاميرات، أو رشنا بغاز الفلفل، أو الغاز المسيل للدموع، وهم لا يفرقون في هذا القمع بين ذكر وأنثى».
وأشارت مرار إلى أن المستوطنين يشاركون في الاعتداءات على الصحافيين المقدسيين، لافتة إلى أنها انتبهت، قبل أيام، لمحاولة مستوطن يافع الاعتداء على زميلة لها، ولولا تحذيرها إياها، لكانت تعرضت لأضرار خطيرة. «هناك استهداف فاضح للصحافة المقدسية، سواء العاملين مع مؤسسات إعلامية محلية أو عربية أو أجنبية، بل إنهم فرقوا، أخيراً، وبطريقة وحشية، اعتصاماً لصحافيين ضد هذه الاعتداءات، ليسجلوا مزيداً منها».
ولفتت إلى أنّه جرت العادة أن يكون الاحتكاك بين جنود جيش الاحتلال، أو عناصر الشرطة الإسرائيلية، أو المستوطنين (نادراً)، بالمصورين، لكنّ في هذه الفترة، الجميع مستهدف من مراسلين ومصورين، وحتى كل من يرفع هاتفه النقال لتوثيق حدث ما هنا أو هناك، قد يتعرض لاعتداء بالضرب، وتحطيم هذا الهاتف أو مصادرته، واللافت ارتفاع وتيرة اعتداءات المستوطنين على طواقم الصحافيين والمؤسسات الإعلامية العاملة في القدس، واصفة ما يحدث بـ «حالة حرب».
وكان المصوّر الصحافي أيمن أبو رموز، واحداً من ضحايا الاعتداءات المتواصلة في الفترة الأخيرة في القدس، والتي بلغت، وفق مصادر صحافية، ما يزيد عن أربعين اعتداءً متنوعاً بين الضرب والاعتقال وإطلاق قنابل الصوت في شكل مباشر، إضافة الى تكسير معدّات.
ويروي أبو رموز، ويعمل لـ «كيو برس» ما حدث بينه وبين أحد عناصر قوات الاحتلال أثناء تغطيته جرائمهم في باب السلسلة، مبينـاً، أن الشـرطي فـاجأه بطلب هويته وبطاقة الصحافة الخاصة به، ثم أبلغه بقرار تحرير مخالفة له من دون توضيح أسباب ذلك.
ويضيف أبو رموز أنه اعترض على تحرير المخالفة، فأخذ الجندي منه «الترايبود» الذي يستخدمه في حمل كاميرا التصوير الخاصة به واستخدمه في ضربه، فهرع الى أحد المحال، إلا أن الجندي لاحقه داخل المحل، واعتدى عليه بالضرب المبرح.
في اليوم ذاته، تعرّض المصور في «كيو برس» مصطفى الخاروف لاعتداء أكثر وحشية من جنود الاحتلال، تبعه اعتقال لثماني ساعات ثم الإفراج عنه مع تسليمه قراراً بمنعه من دخول البلدة القديمة خمسة عشر يوماً.
وكانت مراسلة تلفزيون فلسطين كريستين ريناوي، ضحية ثالثة لاعتداءات الاحتلال في اليوم ذاته، لكنّ الجريمة بحقها لم تكن بالاعتداء الجسدي المباشر عليها، بل إطلاق قنبلة صوت تجاهها، ما أدى الى إصابة في عينها. إلا أن كريستين لم تكن الفتاة الوحيدة التي تعرضت لقمع الاحتلال، فمثلها المصورتان صابرين عبيدات وبيان الجعبة، إضافة الى الصحافية ديالا جويحان، التي تعرضت أيضاً للضرب المبرح داخل أحد المحال التجارية.
وتقول الصحافية ديالا جويحان «تركز قوات الاحتلال في اعتداءاتها على الصحافيين في القدس، على حملة الكاميرات الفوتوغرافية والفيديو، بخاصة العرب، وأنا تعرضت لاعتداءين، أولهما كان في أحد المحال التجارية في منطقة باب السلسلة، والثاني في طريق الواد المؤدي إلى المسجد الأقصى داخل اسوار البلدة القديمة».
وشددت جويحان على أن الصحافي المقدسي يواجه صعوبات جمة في نقل صورة الأحداث عبر الكاميرا أو الكتابة. والاعتداء ليس جسدياً بالضرورة، لافتة إلى أن سلطات الاحتلال تحرر مخالفات مالية في حق المصورين التلفزيونيين تحت ذريعة عرقلة عمل شرطة الاحتلال، وتحديداً في منطقة باب السلسلة في القدس، حيث تصل بعض المخالفات إلى ما يقارب المئة دولار أو يزيد.
وعلى إثر ذلك، دانت قبل أيام، مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، الاعتداءات التي تعرض لها عدد من الصحافيين على يد الشرطة الإسرائيلية، أثناء تغطية مواجهات بين فلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية في ساحة المسجد الأقصى، بمناسبة احتفالات السنة اليهودية الجديدة.
وفي وقت دانت فيه وزارة الإعلام الفلسطينية هذه الانتهاكات ضد الصحافيين في القدس، أكدت أنّها «لن تردع الصحافيين الفلسطينيين عن مواصلة تغطية قضية القدس»، ونظمت نقابة الصحافيين الفلسطينيين أكثر من اعتصام في أكثر من مدينة تنديداً بالاعتداءات ضد الصحافيين الفلسطينيين بعامة، والمقدسيين خصوصاً.
الحياة