لم يغير فرنسوا هولاند موقفه من ضرورة رحيل بشار الأسد في إطار حل سياسي لسورية. فرغم اللغط الذي أثير حول أن فرنسا أبدت بعض المرونة بالنسبة إلى احتمال أن يكون الأسد جزءاً من الحل، أكد هولاند في كل المناسبات أن الأسد المسؤول عن قتل شعبه وتهجيره بالملايين ونشر الفوضى في بلده وفتح الباب لـ «داعش» لا يمكنه أن يفاوض الذين قاتلهم.
وبدد باراك اوباما أمس في نيويورك الشكوك حول الموقف الأميركي من بقاء الأسد عندما أكد موقفاً مشابهاً للموقف الفرنسي. وكانت القناعة قبل خطاب اوباما أن الولايات المتحدة ستتساهل مع روسيا في موضوع بقاء الأسد من أجل بدء المفاوضات مع النظام. ولكن خطاب اوباما أثبت أنه يدرك أن الأسد هو سبب ما انتهت إليه الأوضاع في سورية وهو المسؤول عن قتل شعبه بالكيماوي وبالبراميل. في حين أن الشعب السوري كان في البداية يتظاهر سلمياً. وبدا الشرخ بين روسيا والولايات المتحدة وفرنسا في القمة عندما ألقى فلاديمير بوتين خطابه مدافعاً عن الأسد والنظام السوري. ولكن الغرب مصر على التحاور مع روسيا. فأوباما عقد اجتماعاً مع بوتين دام ٩٠ دقيقة حول اوكرانيا وسورية. وكان الخلاف والتباين حول سورية وبقاء الأسد عميقاً. والإدارة الأميركية تتخوف من التعزيزات العسكرية الروسية في سورية وأنها تعقد الأمور ولكنها تريد الاستمرار في التفاوض مع بوتين. وهولاند يستعد لاستقبال بوتين بعد ظهر يوم الجمعة، في إطار المحادثات الرباعية حول اوكرانيا التي تشارك فيها المستشارة الألمانية انغيلا مركل وسيتحاور معه حول سورية.
إن العلاقة الاوروبية الروسية وخصوصاً الفرنسية الروسية أفضل من العلاقة الأميركية الروسية لأنها أقل توتراً. فقد ظهر ذلك عندما ألغت فرنسا صفقة حاملتي الطائرات «ميسترال» إلى روسيا بسبب العقوبات وتمت تسوية قضية الأموال التي دفعتها روسيا لشراء هذه الناقلات التي اشتراها الرئيس عبدالفتاح السيسي لمصر. إن التحاور بين فرنسا وروسيا وألمانيا قد يكون مفيداً بالنسبة للقضية السورية ولكن بوتين لن يسلم بهذه السهولة لاوباما حول سورية لأنه يدرك الآن أنه المسيطر في سورية. فهو يريد العودة إلى هيمنة الاتحاد السوفياتي على جزء من الشرق الأوسط. وكان هذا حلمه منذ بداية عهده. وها هو يعزز قواته العسكرية في سورية ويجازف بإدخال روسيا في مستنقع قد يصبح مثل أفغانستان. فهناك آلاف من مقاتلي الشيشان يحاربون إلى جانب «داعش». والتعزيزات العسكرية الروسية لن تمنع حدوث عمليات إرهابية ضد الروس في سورية. وروسيا في شبه منافسة مع إيران على الأرض السورية. فإيران تريد السيطرة على سورية ولبنان عبر «حزب الله» وروسيا تريد البقاء في سورية لأنها الباب الوحيد المتبقي لها في الشرق الأوسط، لذا تتمسك بالأسد. فلعبة الدول تنهك شعباً وتهجره في سبيل عائلة الأسد التي لم تكن لها شرعية للحكم بعكس ما يقول بوتين. فحافظ الأسد استولى على الحكم بانقلاب عسكري ونجله بالوراثة. فشرعية النظام التي تحدث عنها بوتين هي بدعة روسية كما فعل عندما وضع ميدفيديف مكانه في رئاسة الدولة لفترة وجيزة.
إن الحل في سورية في مثل هذه الظروف لا يمكن أن يكون سياسياً. فالحرب السورية ستطول ومأساة الشعب السوري معها، طالما بقي الأسد من جانب و «داعش» من جانب آخر. وخراب الدول المجاورة نتيجة هذه الحرب وتفاقم مشكلة اللاجئين أيضاً. وفي الوقت نفسه، ظروف المعارضة السورية الوطنية بالغة الصعوبة. فهي منقسمة ووحدها فرنسا ورئيسها هولاند يهتمان بها. فقد التقى هولاند رئيس «الائتلاف» السوري خالد خوجة ووفد المعارضة، في حين أن حتى وزير الخارجية الأميركي جون كيري لم يهتم بلقائهم وأوكل ذلك إلى نائب له. واوباما منذ أن التقى وفداً من «الائتلاف» في بداية تشكيله، لم يكن معجباً بهم ولم يشجعهم بسبب انقساماتهم التي تفاقمت لاحقاً. وربما كان على المعارضة المعتدلة أن تغير أداءها لتلعب دوراً أهم. ولكن الأحداث في سورية تحتاج إلى حسم عسكري من مقاتلين يريدون تحرير بلدهم من الأسد و «داعش». ولكن الأمور بالغة الصعوبة، فكيف تتمكن المعارضة المعتدلة من الحسم العسكري وهي تواجه قوات النظام و «داعش» وروسيا وإيران و «حزب الله» وهي شبه متروكة دولياً؟ فالمأزق كبير والحسم العسكري خطير والحل السياسي غير وارد حالياً إلى أن يحدث خرق في مفاوضات بوتين مع الغرب.
رندة تقي الدين