استيقظ المصريون والروس فجر أمس على فاجعة سقوط طائرة روسية من طراز آرباص على متنها 224 شخصاًً قرب مدينة العريش (شمال سيناء)، بعد عشرين دقيقة فقط من إقلاعها من مطار مدينة شرم الشيخ الدولي (جنوب سيناء). ومثّل الحادث تحدياً للسلطات المصرية التي تحرص على عدم وجود ما يؤثّر في العلاقات المتنامية بين القاهرة وموسكو، لا سيما على صعيد توافد السياح الروس، المورد الرئيسي للسياحة الوافدة إلى المنتجعات المصرية. واستبعدت أجهزة الأمن المصرية في شدة «فرضية إسقاط الطائرة عمداً بعمل إرهابي» وتحدثت عن «عطل فني» تسبب في الكارثة التي راح ضحيتها جميع الركاب. وقدمت الرئاسة المصرية تعازيها في ضحايا الحادث، فيما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الأحد يوم حداد عام، وأوفد بعثة برئاسة وزير النقل الروسي إلى القاهرة لمتابعة التحقيقات.
لكن «ولاية سيناء»، الفرع المصري لتنظيم «داعش»، أعلنت بعد الظهر في بيان على موقعها على «تويتر» مسؤوليتها عن «إسقاط» الطائرة. وقالت أنها تمكنت من «إسقاط طائرة روسية فوق ولاية سيناء» وأن هذا يأتي رداً على التدخل الروسي في سورية. وقال البيان: «تمكن جنود الخلافة من إسقاط طائرة روسية فوق ولاية سيناء»، مضيفاً: «لتعلموا أيها الروس ومن حالفكم أن لا أمان لكم في أراضي المسلمين ولا أجوائهم وأن قتل العشرات على أرض الشام بقصف طائراتكم سيجر عليكم الويلات»، وفق ما أوردت «فرانس برس».
وكانت الطائرة، المملوكة لشركة طيران «كوليمافيا» ومقرها غرب سيبيريا، أقلعت من مطار شرم الشيخ عند الساعة 5:50 فجراً وعلى متنها 217 راكباً بينهم 17 طفلاً، إضافة إلى 7 أفراد هم طاقم الطائرة، في طريقها إلى مدينة بطرسبرغ الروسية، قبل أن يتم فقد الاتصال بطاقمها بعد ذلك بأقل من نصف ساعة.
وكانت وزارة الطيران المصري أعلنت فقدان الاتصال بالطائرة الروسية من طراز آرباص – 320، وأوضحت أن برج المراقبة في مطار شرم الشيخ فقد الاتصال مع طاقم الطائرة بعد دقائق من إقلاعها وأن قوات البحث والإنقاذ للطيران بدأت البحث في المنطقة التي تم فقد الاتصال بها للتعرف إلى أسباب فقدان الاتصال وتحديد ما إذا كانت قد تحطمت أو حدث عطل في أجهزة الاتصال فيها. وأشارت إلى أن الطائرة الروسية كانت على ارتفاع 31 ألف قدم حين اختفت من على شاشات الرادار، ما يُقلل من إمكانية إسقاطها بصاروخ أرض – جو. وأعلنت الوزارة في بيان آخر أن سلاح الطيران المصري عثر على حطام الطائرة في منطقة الحسنة الجبلية، جنوب مدينة العريش (شمال سيناء)، وعلى الفور أسرعت فرق الإنقاذ وسيارات الإسعاف إلى مكان الحادث حيث لم يتم العثور على ناجين.
ورفضت الحكومة المصرية تحديد حصر بأعداد الضحايا في الحادث، وأوضح الناطق باسمها حسام القاويش أن السلطات تجري حصراً بعدد الذين انتشلت فرق الإنقاذ المصرية جثثهم، مؤكداً أنها لم تعثر على أحياء بين حطام الطائرة التي كانت تقل 214 مواطناً روسياً، وثلاثة من أوكرانيا. وينقسم الركاب إلى 138 سيدة و62 رجلاً و17 طفلاً.
وألغى رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل زيارة كانت مقررة أمس إلى محافظة الإسماعيلية (إحدى مدن قناة السويس)، وعقد اجتماعاً عاجلاً في القاهرة لمتابعة تطورات الحادث، قبل أن يرأس وفداً وزارياً تفقّد مكان الحادث في سيناء.
وأعلن الناطق باسم الحكومة السفير حسام القاويش تشكيل خلية أزمة برئاسة رئيس مجلس الوزراء، تضمه ووزراء: الطيران المدني، والسياحة، والداخلية، والتضامن الاجتماعي، والصحة، والتنمية المحلية، إضافة إلى ممثلين عن الدفاع، والخارجية، مشيراً إلى أن 50 سيارة إسعاف توجهت إلى منطقة الحطام لنقل أي جرحى وحالات الوفاة، إضافة إلى عمليات الإخلاء التي تتم بالطائرات من مكان تحطم الطائرة إلى مطار ألماظة ومطارات أخرى بالقرب من القاهرة.
وبينما ساد الغموض سبب سقوط الطائرة، استبعدت مصادر أمنية تحدثت إلى «الحياة» في شدة فرضية «العمل الإرهابي»، وأوضحت المصادر أن عملية إسقاط طائرة ركاب «تحتاج إلى تقنيات حديثة لا تتوافر لدى الجماعات المسلحة التي تتمركز في شمال سيناء». ورجّحت «حصول عطل فني في الطائرة». غير أن رئيس الشركة المصرية للمطارات عادل محجوب أكد أن الطائرة الروسية «تم فحصها فنياً قبل إقلاعها من مطار شرم الشيخ وتبينت صلاحيتها للطيران»، مشيراً إلى أن الشركة المصرية للمطارات أرسلت وفداً فنياً إلى شرم الشيخ للمشاركة في تجميع كل بيانات الطائرة وما تعرضت له من عمليات فحص فني والحصول على صلاحية الطيران خلال وجودها بمطار شرم الشيخ.
وأردف المصدر الأمني المصري أن فريقاً من الإدارة المركزية لتحقيق حوادث الطيران التابعة لوزارة الطيران المدني توجه إلى موقع سقوط الطائرة لفحص الحطام وإخلاء صندوقيها الأسودين تمهيداً لبدء تفريغ محتوياتهما والحوار في كابينة القيادة بين قائد الطائرة ومساعده وبين القائد وبرج المراقبة للتعرف إلى الأسباب الحقيقة للحادث.
وكان سفير روسيا لدى القاهرة سيرغي كربيتشينكو أكد أنه يتواصل مع كل الجهات المصرية ورئاسة مجلس الوزراء لمعرفة أسباب سقوط الطائرة. وذكرت وكالات الأنباء الروسية أن الرئيس فلاديمير بوتين أمر بإرسال فرق بحث روسي إلى موقع تحطم الطائرة، الأمر الذي رحب به مصدر أمني مصري مؤكداً حق السلطات الروسية في المشاركة في عمليات التحقيق لمعرفة أسباب الحادث لأن الطائرة روسية وركابها وطاقمها من الروس أيضاً، وقال: «نرحب بالتعاون مع السلطات الروسية في هذه التحقيقات من أجل التوصل للأسباب الحقيقة للكارثة من أجل تلافيها مستقبلاً سواء كانت أسباباً فنية أو غيرها ولحماية صناعة النقل الجوي في العالم».
وكان النائب العام المصري المستشار نبيل أحمد صادق أمر بفتح تحقيقات موسعة وعاجلة في الحادث، وكلف فريقاً من محققي نيابة استئناف الإسماعيلية بسرعة التوجه إلى مسرح الحادث، وإجراء معاينة للطائرة المنكوبة، وانتداب الجهات الفنية المختصة للوقوف على أسباب وقوع الحادث، وسماع شهود الواقعة، قبل أن يأمر المحامي العام الأول لنيابات شمال سيناء المستشار عماد الدين منصور بالتحفظ على حطام الطائرة المنكوبة التي سقطت في وسط سيناء، وكذلك الصندوق الأسود الخاص بكابينة القيادة، والذي يحتوي على الاتصالات اللاسلكية كافة بين الطائرة وأبراج المراقبة ومحادثات قائد الطائرة ومساعديه وأداء الطائرة وخط سيرها وظروف الرحلة، وذلك للوقوف على الأسباب التي أدت إلى سقوط الطائرة.
وأصدرت الرئاسة المصرية بياناً قدمت فيه «خالص التعازي لروسيا الاتحادية الصديقة، قيادة وحكومة وشعباً، ولأسر ضحايا حادث الطائرة». وأوضح البيان أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يتابع منذ عودته إلى القاهرة ظهر أمس آتياً من البحرين «التطورات المتعلقة بهذا الحادث الأليم، حيث أجرى اتصالات عدة مع كبار المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الحكومة، كما وجّه بأهمية قيام لجنة التحقيق التي شكلتها وزارة الطيران المدني بإنجاز مهمتها في شكل جاد وسريع للوقوف على ملابسات الحادث، والتعرف إلى الأسباب التي أدت إلى سقوط الطائرة، إضافة إلى مواصلة التنسيق مع السلطات الروسية المعنية». وأضاف البيان: «تتابع الرئاسة عن كثب تطورات الموقف مع مجموعة العمل المعنية بإدارة الأزمة، كما تتلقى الرئاسة تقارير دورية في هذا الصدد للتعرف إلى المستجدات كافة».
وأجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالاً هاتفياً بنظيره الروسي سيرغي لافروف تعهد فيه بـ «التزام السلطات المصرية بالتوصل إلى ملابسات الحادث كافة بالتعاون الكامل والتنسيق مع الجانب الروسي»، وفق الناطق باسم الخارجية أحمد أبو زيد الذي أشار إلى أن شكري «قدم خالص التعازي والمواساة في حادث الطائرة الروسية المنكوبة» ونقل عن لافروف أنه أعرب خلال الاتصال عن «تقدير بلاده الجهود التي تقوم بها السلطات المصرية في التعامل مع آثار الحادث وكشف ملابساته».
الحياة