عندما سلم النظام السوري عام 2013 سلاحه الكيماوي الاستراتيجي كان ذلك نتيجة اتفاق روسي أميركي، ولو بإصرار من الجانب الأميركي. القرار الثنائي كان الأساس. اليوم جاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي رسم خارطة طريق لحل الأزمة السورية. الخارطة قد تتغير والطريق سيكون بالتأكيد طويلاً وشاقاً وسيسقط عليه ضحايا كثر وتسيل دماء غزيرة. هذا ما تعلمناه من الحروب المشابهة ومن لعبة الأمم، ولم ننس بعد الدرس اللبناني، ونريد دائماً التعلم منه. ومن يتعلم يستطع قراءة الحدث وتحليله وتقدير نتائجه، وقراءة خلفية القرارات المحيطة به.
القرار الدولي الأخير جاء أيضاً نتيجة اتفاق روسي أميركي، بعد التدخل الروسي في سوريا، والفشل الأميركي، وفي مرحلة التشنج في العلاقات الروسية الأميركية، لم يخرج الطرفان عن سكة مسار اتفقا عليه في ما يخص سوريا. وللأسف، ولأن كثيرين لا يريدون التعلم فقد صدموا بالقرار، وسوف تتجاوزهم الأحداث وتجرفهم اللعبة، وتتجاوزهم الاتفاقات حول مصائر دولهم المختلفة، لأنهم لا يريدون الوقوف عند الحقائق ويذهبون دائماً مع التحليل بالتمني وهو أخطر أنواع التحليل. أقول ذلك لأُذكّر بأن ما جرى بين الروس والأميركيين ليس مفاجئاً. فهو يأتي في إطار الالتزام الثنائي على قاعدة أن تقول واشنطن: «بدء العملية السياسية ليس مشروطاً بتنحيّ الأسد»، وتؤكد موسكو: «وانتهاء العملية السياسية ليس مربوطاً ببقاء الأسد»! أي أنه عندما يتفق الطرفان يكون الحل ويخرج الأسد. ونشير هنا إلى أن بعض المسؤولين الروس قالوا في الأيام الأخيرة: «نحن نرتاح للتعاطي مع الوزير كيري أكثر من غيره من المسؤولين الأميركيين. صحيح الرئيس يقرر. وهناك مؤسسات، لكن الرجل كان من الأساس مؤمناً بضرورة التعاون معنا، وكان تفسيره لمؤتمر جنيف ومقرراته مخالفاً لما أعلنته هيلاري كلينتون وأراده غيرها من المسؤولين الأميركيين. المؤتمر لم يتحدث عن خروج الأسد. المرحلة الانتقالية لم تتحدث عن ذلك. وها نحن قد اتفقنا على الأمر بعد مؤتمري فيينا 1 وفيينا 2. وذهبنا إلى مجلس الأمن وأصدرنا قراراً»!
وفي الواقع، لم يعد أمر بقاء الأسد اليوم مسألة استراتيجية تتجاوز المعنويات المؤقتة. في المرحلة السابقة كان الجنرالات الإيرانيون يديرون اللعبة في سوريا ويمسكون بالقرار. حلّ محلهم اليوم الجنرالات الروس! وهم أقدر وقوتهم أكبر وأظهروا فعاليتها وهم في مجلس الأمن وليس إيران. رغم أن كل ما فعلوه لم يؤثر فعلياً في ضرب «داعش» وغيره من المنظمات التي يعتبرونها إرهابية. لأن هدفهم من الأساس يتجاوز سوريا التي استخدموها ساحة. إنهم يتطلعون إلى الداخل الروسي، إلى الحدود الروسية، إلى أمن روسيا ومصالحها الاستراتيجية، وإلى أوكرانيا وجورجيا وبولونيا وأفغانستان والجمهوريات الإسلامية في الاتحاد الروسي التي تتواجد فيها قوى يعتبرونها متطرفة أو إرهابية.. وبالتالي فالتدخل في سوريا بوابة للتعاون مع أميركا على هذا الأساس، إضافة إلى مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة في مجالات كثيرة.
اليوم ستكون مرحلة، ومحاولة تشكيل حكومة خلال 6 أشهر لإدارة مرحلة انتقالية. ثم خلال 18 شهراً إجراء انتخابات نيابية ورئاسية وتحقيق الإصلاحات الدستورية! خلال هذه الفترة سيبقى الأسد. وطبعاً سيكون وقف لإطلاق النار لا يشمل المنظمات الإرهابية. يعني وعلى طريقة الحرب اللبنانية التي أشرنا إليها أكثر من مرة: سنكون أمام هدنات موضعية هنا وهناك. تشكيل حكومات، حوار لإصلاحات، وربما انتخابات نيابية، علماً بأن موعدها هو مايو المقبل، لكن خارطة الطريق الحالية ستؤجلها. وبين الهدنات جولات من العنف ستبقى مستمرة تحت عناوين مختلفة، ولعبة الأمم ستبقى مستمرة. الدمار والخراب سيتواصلان ليعمّا مناطق سورية كثيرة. ولن تبدأ عودة النازحين واللاجئين قريباً. وفي انتظار خطوات أكبر وأشمل بين روسيا وأميركا، وموافقة أو إرضاء القوى المعنية بالصراع في دول الجوار، والتي لم تتفق بعد على أمور أساسية: من هي قوى المعارضة المعتدلة ومن هم الإرهابيون؟
في هذا الوقت يظهر جلياً أن ما قامت به إسرائيل حين نفذت عملية اغتيال سمير القنطار مؤخراً، هو تجسيد للعبة الكبرى. بين روسيا وإسرائيل اتفاق، ما يهمكم لا نتدخل فيه، لا نتعرض له، لكم حرية الحركة لتحقيقه، ونحن أيضاً. لذلك تستطيع إسرائيل أن تفعل ما تشاء رغم وجود أساطيل روسيا وقواعدها ومنصات صواريخها وكل قدراتها التقنية لقتل من تشاء وضرب ما تشاء، وما تراه يشكل خطراً عليها. وكذلك تفعل روسيا وأميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول.. ويدفع الشعب السوري ثمن «لعبة الأمم» على أرضه.
لم يأت أوان الحل بعد. إسرائيل تعلم ذلك وتريد تحقيق المزيد من الأرباح!
غازي العريضي