حسين عمر
شهد الحديث عن النظام الفيدرالي في سوريا، خلال الأسبوع المنصرم، تحوّلاً على مستويين هامّين. من جهة أولى، انتقل الحديث الفيدرالي من المستوى المحلي السوري إلى المستوى الدولي الأرفع والأكثر دوراً وفاعليةً في الشأن السوري ونقصد أمريكا وروسيا. ومن جهة ثانية، انتقل هذا الحديث من إطار الهمس به ومناقشته في الغرف المغلقة وتحت الطاولات إلى العلن والجهر به في اجتماعات المؤسسات الرسمية وكذلك أمام الاعلام.
كانت تسريبات قد سرت في أعقاب الاتفاق الأمريكي-الروسي بشأن ما أُطلِقَ عليه وقف الأعمال العدائية في سوريا، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن (12-14 فبراير 2016)، بأنّ الدولتين المكلّفتين بالرئاسة المشتركة للمجموعة الدولية لدعم سوريا والتي تضم 17 بلداً قد تفاهمتا على صيغة فيدرالية لسوريا ما بعد الحرب.
لكن التصريح الذي أدلى به النائب الأوّل لوزير الخارجية الروسية سيرغي ريابكوف (الاثنين 29 فبراير 2016)، حول إمكانية إنشاء جمهورية فيدرالية في سوريا ” إذا ما رضيت الأطراف السورية بذلك” وتأكيده على أنّ لا أحد سيتمكّن من معارضة إقامة هذه الدولة الفيدرالية إذا ما توافق السوريون على أنّها ” النموذج الأنسب بالنسبة لهم للحفاظ على سورية موحّدة وعلمانية ومستقلّة وذات سيادة ” أخرج هذه التسريبات من دائرة كونها قد تكون مجرّد تكهّنات إلى حقيقة أنّها طروحات جدّية لوضع الهيكلية السياسية للدولة السورية الجديدة في إطار مساعي البحث عن حلول لأزمتها المتفاقمة.
وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أثناء جلسة طلب الميزانية السنوية للوزارة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ( الأربعاء 24 فبراير 2016) قد استبق تصريحات نائب نظيره الروسي بالحديث عن صعوبة بقاء سوريا كياناً موحّداً وإمكانية تقسيم سوريا إذا ما استمرّت الحرب فيها، قبل أن يُعلن عن وجود خطّة بديلة للتحرّك في سوريا إذا ما فشل اتفاق وقف إطلاق النار.
قد يكون صحيحاً أنّ هذه التصريحات من الدولتين الأكثر انخراطاً في الأزمة السورية على المستوى الدولي تأتي، في جانبٍ منها، للضغط على اللاعبين الإقليميين والمحليين لدفعها إلى القبول بالرؤية والمشروع المشتركين لأمريكا وروسيا ( الفيدراليتين) للحلّ في سوريا مثلما قد تكون جزءاً من صراع الإرادات بين الدولتين نفسيهما في المساحة غير المتّفق عليها بينهما بشأن مستقبل سوريا النهائي.
لقد بلغت الأطراف الداخلية في النزاع السوري من نظام ومليشيات موالية له ومن معارضة ومجموعات متفرّعة عنها حدّاً من الضعف والانهاك بحيث لم يعد بمقدورها التمسّك بأيّ حلّ ترتئيها للأزمة، كما أنّ الأطراف الإقليمية في النزاع، وخاصّة تركيا وإيران، قد تمّ تحجيم دورها وتأثيرها في المعادلة السورية بحيث لم يعد بمقدورها تعطيل أيّ حلّ تتّفق عليه الأطراف الدولية الرئيسية وخاصّة أمريكا وروسيا اللتان بات من الواضح أنّ هناك اتفاقاً إطارياً على الأقلّ، ما لم يكن متكاملاً، بينهما حول مسار الحلّ وخطواته في سوريا.
إنّ الاتّفاق الأخير بين هاتين الدولتين، بالنيابة عن النظام والمعارضة، حول وقف العمليات العدائية في سوريا وتمريرهما للقرار الدولي الخاصّ بشأنه، يُظهِر من جهة ملامح هذا الاتفاق مثلما يُظهِر من جهة أخرى تفرّد الدولتين ليس بالقرار السوري فحسب بل بمصير ومستقبل هذا البلد أيضاً.
إنّ اتقاق وقف العمليات الحربية يعني، في أحد جوانبه، احتفاظ الأطراف المتقاتلة بالمساحات التي تسيطر عليها وكذلك الاحتفاظ بالقوات والأسلحة التي بحوزتها بانتظار انجاز الحلّ السياسي. والحال أنّ الحلّ السياسي سوف لن يستطيع أن يتجاهل حقائق الميدان التي تُظهر بوضوح أنّ سوريا مقسّمة جغرافياً وأن كلّ جزءٍ منها يُدار من قبل سلطة وإدارة منعزلة عن الأجزاء الأخرى.
وبالنظر إلى هذا الواقع وإلى التصريحات الأمريكية والروسية، يمكن القول أنّ ما ينتظر سوريا المستقبل قد يكون أقلّ من التقسيم وقد يكون أكثر من فيدرالية تقليدية، لكن يمكن التأكيد بأنّ سوريا المصطنعة والمركّبة بموجب اتفاقيات دولية لم تحترم حقائق الجغرافيا والتاريخ، سوريا المركزية قد أصبحت في ذمّة التاريخ!