حسين عمر
تُظهر كلّ المعطيات والمواقف أنّ روسيا وأمريكا جادّتان في انجاح مباحثات جنيف بين النظام والمعارضة السوريين وفق الرؤية المتّفقة عليها في ما أُصطُلِح عليه (مسار فيينا). والقرار الأخير للرئيس الروسي فيلاديمير بوتين بسحب القوات الرئيسية لبلاده من سوريا يأتي في جانبٍ منه كرسالة تحذير إلى بشار الأسد بأنّ عليه أن يلتزم بما اتّفقت عليه روسيا مع أمريكا والقوى الدولية والإقليمية بشأن حلّ الأزمة السورية وتعهّدت أمامها بالزام النظام السوري بالسير فيه. خاصّة إذا ما استعرضنا جملة الردود الروسية على تصريحات صدرت عن بشار الأسد وطاقم دبلوماسيته وكانت تتنافى والالتزامات الروسية مع الشركاء الدوليين في العمل على حلّ الأزمة السورية.
وفي المقلب الآخر، أظهرت أمريكا حزماً في تعاملها مع المعارضة السورية وأبلغتها بمباشرة لا مواربة فيها بأنّ عليها أن تنخرط في مباحثات السلام في جنيف وإلا سوف تفقد الدعم الدولي وتتحمّل عواقب ذلك.
علاوة على الضغوط الروسية-الأمريكية على الحلفاء المحليين من نظام ومعارضة، لم تخضع روسيا وأمريكا لضغوط وابتزازات الحلفاء الإقليميين وخاصّة إيران لجهة روسيا وتركيا لجهة أمريكا وسارتا في صياغة مندرجات اجتماعات فيينا في مشروع قرار أممي تمّت الموافقة عليه في مجلس الأمن الدولي (قرار 2254, 18 ديسمبر 2015).
على خطى هذه الجدّية الروسية-الأمريكية، أعلن المبعوث الدولي لسوريا، ستافان دي ميستورا، أنّه عازمٌ على إعادة الملفّ السوري إلى أمريكا وروسيا ومجلس الأمن، إذا ما فشلت مساعيه في التوصّل إلى اتفاق بين طرفي النزاع.
والحقيقة أنّ الحلّ البديل لاتفاق طرفي النزاع على أساس بيان جنيف1 واجتماعات فيينا وقرار مجلس الأمن (2254) هو إحالة الملفّ السوري إلى مجلس الأمن وتوافق الدول الخمس دائمة العضوية على اتّخاذ هذا القرار الأممي (2254) أساساً لقرار دولي جديد ملزم بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة وتضمينه بنداً بتشكيل قوة سلام دولية تتدخّل في سوريا وتشرف على تنفيذ الحلّ المتّفق عليه دولياً.
إن تشكيل غطاء دولي لحلّ الأزمة السورية يتضمّن اشرافاً دولياً كاملاً على تنفيذ مراحل هذا الحلّ بدءاً من تثبيت وقف اطلاق النار وجعله دائماً ومروراً بتشكيل سلطة مؤقّتة وصياغة دستور جديد واجراء انتخابات برلمانية – قد لا تحتاج سوريا إلى انتخابات رئاسية إذا ما نصّ الدستور الجديد للبلاد على أن يكون النظام برلمانياً- وكذلك يمتلك قوّة عسكرية على الأرض تضمن وتحمي سير هذه العملية بكلّ مراحلها، سوف يحقّق جملة من الأهداف الرئيسية والجوهرية في إطار هذا الحلّ، منها:
– سوف يضمن هذا الاشراف والتدخّل الدوليين منع حدوث عمليات انتقام بين المكوّنات السورية وستكون هذه القوات في أحد مهامها قوات فصل بين الأذرع العسكرية لهذه المكوّنات.
– سوف يساعد هذا الاشراف والتدخّل الدوليين في صياغة نظام سياسي وشكل دولة جديدين يضمنان مشاركة وحقوق كلّ المكوّنات السورية دون إقصاء أو تهميش.
– سوف يساعد هذا الاشراف والتدخّل الدوليين في إراحة المحيط الإقليمي لسوريا من انعكاسات هذا النزاع عليه وكذلك سوف يُطمئن الجوار المتوجّس من الدور السوري خاصّة إذا ما أُخذ الدور السوري السابق في النزاعات المسلّحة في المنطقة والتدخّل في الشؤون الداخلية لمجموعة الدول المحيطة بسوريا بعين الاعتبار.
في الواقع، هناك الآن على الأراضي السورية قوات روسية مهمتها (فعلياً)، حماية المناطق الخاضعة للنظام الذي بات يمثّل، ولو رمزياً الطائفة العلوية، من المعارضة (الإسلامية السنّية) وكذلك هناك قوات أمريكية وحليفة لها ( سواءً من الجوّ أو على الأرض) مهمّتها (فعلياً) حماية المناطق الكوردية من داعش وحلفائها. يبقى أن تتحوّل هذه القوات إلى قوّة تدخّل مشروعة بموجب قرار دولي وتتوسّع لتضمّ قوات من دول عديدة وتتعاون مع القوات المحلية السورية القابلة بهذا الحلّ الدولي.