على مدى عقود، وبين يدي كل انتخابات في إسرائيل، يكون العامل الحاسم في الفوز أو الإخفاق هو ضربة ما تسبق التوجه إلى صناديق الاقتراع.
ولقد أصبح هذا التقليد قانونا يتقيد به كل تشكيل يسعى إلى الظفر بالانتخابات، ولم يحدث أن استبعد هذا القانون إلا في حالات نادرة تكاد لا تذكر لقلتها في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية، وهنالك رصيد سائب لا حراس له في عالمنا العربي يسحب منه المتنافسون ما يحتاجون لتزويد عرباتهم الانتخابية بالوقود، ومن غير المحيط الفلسطيني والعربي يوفر للإسرائيليين هذا الاحتياطي الذي لا ينفد.
بما أننا الآن نراقب بشغف المعركة الانتخابية شديدة الحرارة والإثارة في إسرائيل، فإننا والحالة هذه، نتوقع مزيدا من السحب الإسرائيلي غير المتحفظ من الرصيد السائب، ومثلما حسم قصف المفاعل النووي العراقي بسهولة مدهشة، أمر من سيفوز في الانتخابات الإسرائيلية التي كانت ستجري في اليوم التالي، فإن ما حدث على أرض القنيطرة يشبهه إلى حد كبير في تأثيره الانتخابي.. مع فارق في التوقيت والمكان.
لقد وجهت إسرائيل ضربة معنوية أكثر من كونها عسكرية، وأفدح الخسائر فيها كان الجنرال الإيراني الذي يجسد واحدة من ذرى الوجود العسكري الإيراني في المنطقة، كما أن التوقيت الذي اختاره العسكريون والسياسيون الإسرائيليون هو أيضا توقيت معنوي بامتياز، إذ أصاب وفي الصميم خيلاء نجم النجوم المتحدي إسرائيل السيد حسن نصر الله، فالرجل الذي أعلن أن لديه القدرات الكافية لاحتلال بعض القرى في الجليل، لا بد وأن يواجه حرجا شديدا إذا ما تأخر في الرد أو إذا كان الرد متواضعا بالقياس لفداحة الخسارة.
أما سوريا التي لم تعد بالنسبة لإسرائيل أكثر من مكان لا حول له ولا قوة قياسا بباقي اللاعبين على الأقل في أرض التماس مع إسرائيل، فقد تضعضعت صورة النظام فيها فوق ما هي متضعضعة أصلا، مما شكل حرجا إضافيا لمكانتها في الحرب الدائرة على أرضها.
وبمتابعة لما يصدر عن إسرائيل من تفسيرات وتوقعات، فإن صناع القرار فيها يراهنون على أن تبتلع إيران و«حزب الله» الضربة على قسوتها، وأن تؤجل الرد «الصاعق» الذي تحدث به القادة العسكريون في إيران، وإذا كان لا بد من الرد فترغب إسرائيل في أن يكون من النوع الذي يمكن احتواؤه دون بلوغ حرب واسعة لا مصلحة لأي طرف من أطراف اللعبة في وقوعها.
لقد سجل نتنياهو حتى الآن نقطة في صالحه وصالح حليفه يعالون، عززت رصيدهما في ادعاء أنهما الأكثر جدارة في قيادة إسرائيل وحماية أمنها، بل وحتى حماية مصالح اليهود في كل العالم، وهكذا يفكر ويفعل كل من يلمس في نفسه القدرة على السحب من رصيد الجيران السائب والإنفاق منه على احتياجاته الباهظة خصوصا في مواسم الانتخابات.
ليس نهائيا ما حدث من تسخين دراماتيكي جاء في زمان ومكان مشتعلين أصلا، فلموقعة القنيطرة الأخيرة ما بعدها مما لا نعرف لا بالمعلومات ولا بالاستنتاج، وليس لنا إلا أن ننتظر لبعض الوقت لنرى تأثير هذه الموقعة على الإقليم بأسره، فلم يعد هنالك حدث موضعي ألبتة في زمن التداخل النشط بين القوى والتحالفات والأجندات.
نبيل عمرو