بعد الجولة الثانية من جنيف 3

فايز سارة: الشرق الأوسط

اختتمت الجولة الثانية من اجتماعات جنيف3 قبل أيام، وصاحب الاختتام إعلان عن الجولة المقبلة المتوقعة في الأسبوع الثاني من أبريل (نيسان). وفي الفاصل الزمني بين الجولتين، ثمة مهمات كثيرة، سيتم الاشتغال عليها من جانب الأطراف المعنية بالعملية السياسية للقضية السورية، وهو أمر ينطبق على النظام والمعارضة طرفي الصراع السوري المباشرين، كما ينطبق على الأطراف الوسيطة في المجموعة الدولية، ولا سيما الأمم المتحدة، والراعيين الأساسيين روسيا والولايات المتحدة.
وتكمن أهمية ما ستقوم به الأطراف في أمرين اثنين، أولهما تثبيت ما تم التوافق عليه في الجولة الثانية، وهو ما تمت صياغة محتوياته على نحو ما قدرها المبعوث الدولي ستيفان في وثيقة المبادئ الأساسية للحل السياسي في سوريا ذات الاثني عشر بندًا، والتي رسم فيها مسار الحل المقبل في سوريا، وهي رؤية قابلتها المعارضة بالترحيب، رغم ملاحظاتها على بعض محتوياتها، فيما أكد وفد النظام، أنه سيحملها إلى دمشق للبحث فيها، قبل أن يعلن نظام الأسد موقفه منها. والنقطة الثانية في جدول عمل الأطراف ستكون البحث في أفق الجولة الثالثة، وما يمكن أن يتضمنه جدول أعمالها، وفي هذا الجانب، ستكون محتويات وثيقة دي ميستورا من جهة، والاتفاق الذي توصل إليه الروس والأميركان خلال زيارة وزير خارجية واشنطن إلى موسكو، ولقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، وما نتج عنها من توافقات حول الملف السوري وخاصة لجهة ثلاث نقاط فيه، المضي باتجاه تحقيق الانتقال السياسي، والإفراج عن معتقلين سوريين، وإنجاز دستور جديد في سوريا بحلول أغسطس (آب) المقبل.
إن أهمية ما ستقوم الأطراف المختلفة في الفترة ما بين جولتي جنيف3. لا تكمن في أهمية الموضوعات فقط، والتي يمكن اعتبارها «تقدمًا» بمستوى ما في عملية الحل السياسي السوري، بل في البيئة التي تنطلق فيها هذه الجهود بعد عمليات بروكسل الإرهابية، التي أكدت كما قال دي ميستورا، أنها تفرض معالجة القضية السورية وتحقيق انتقال سياسي، بما يشير إلى إيمانه بروابط تصاعد الإرهاب، وصولاً إلى أوروبا مع استمرار الوضع الراهن في سوريا، وخاصة لجهة بقاء نظام الأسد ورئيسه واستمرار سياساته في سوريا.
ووسط المهمات المطلوبة، وفي ظل البيئة المحيطة بالوضع السوري وتداعياته الإقليمية والدولية، وخاصة في موضوع تمدد العمليات الإرهابية وتهديدات «داعش»، فإن الأطراف المعنية بالملف السوري، ستركز كل من جهته على ما يهمه، لكن دون أن يكون ذلك منفصلاً عما تم التوصل إليه في الجولة الثانية، والأجندة المفترضة للجولة الثالثة، والتي سترسم ملامح مقدمات الدخول في الحل السياسي، وتحدد ملامحه، بما يعنيه ذلك من حسم قضايا الخلاف أو الجوهري فيها، إضافة إلى رسم توافقات الحل ومساره. إن المهمة الأولى الملقاة على عاتق نظام الأسد في الفترة المقبلة، تتضمن تحديد موقف من وثيقة دي ميستورا مبادئ أساسية لحل سياسي في سوريا، وهذا لا يعني الموافقة على فكرتها فقط، بل إثبات تلك الموافقة بصورة عملية، بإلغاء ما كان النظام قد أعلن عنه في إجراء انتخابات برلمانية في أبريل (نيسان) المقبل، التي تناقض محتوى ما طرحه دي ميستورا من مبادئ، كما أن على النظام اتخاذ خطوات عملية في موضوع إطلاق المعتقلين، وإعلان موافقته على الانتقال السياسي في سوريا، الأمر الذي يعني القبول ببحث مصير الأسد والبطانة المحيطة به، التي جعلت سوريا والسوريين في عمق كارثة، صاروا إليها في الخمس سنوات الماضية.
أما المهمة الرئيسية المطلوبة من المعارضة، فتتمثل في تقوية وحدتها وتماسكها، وتفاهم الأطراف المؤتلفة في وفدها إزاء القضايا المطروحة عليها سواء في وثيقة دي ميستورا، أو بالنتائج التي تضمنها التوافق الروسي – الأميركي الأخير، وكلاهما أمر مطلوب على أعتاب الجولة الثالثة، التي تتطلب تقوية استعداد المعارضة لتقوية وفدها في المستويين التنظيمي والإعلامي، بعد أن كشفت الجولتان السابقتان عن اختلالات في أداء وفدها، لا ينبغي أن تستمر في ظل احتمالات دخول المفاوضات مرحلة جدية وعملية.
أما مهمات الوسطاء الدوليين في المرحلة المقبلة، فسوف تكون الأصعب. فهي في المستوى الأول، ينبغي أن تركز على تعزيز التوافقات الروسية – الأميركية، التي من الواضح، أنه لا يمكن تحقيق أي تقدم دون إنجازها، ولو بالحدود الدنيا، التي تدفع نحو تجاوز احتمالات فشل جنيف3، والمهمة الثانية، ضرورة تكثيف الضغوط على نظام الأسد للحد من غطرسته وتمرده على فكرة الحل السياسي، وإجباره على الدخول في مسارها بما يعنيه من إقراره فكرة الانتقال السياسي، التي تقف في خلفيتها خطوة تشكيل هيئة حكم انتقالي، تتمتع بكافة صلاحيات قيادة المرحلة الانتقالية، والأهم في مهمة الروس والأميركيين وبقية المجموعة الدولية، هو تعزيز دور الأمم المتحدة ومبعوثها الدولي دي ميستورا المحكوم أساسًا بمحدودية دوره ما دام موقف المجموعة الدولية ضعيفًا أو غائمًا، أو كان يعاني من ضعف في التوافق الروسي – الأميركي بشكل خاص، مما يجعله أقرب إلى موقف الروس وأطروحاتهم في الحل السوري.
إن نجاح الجولة الثالثة لمحادثات جنيف3، سيكون محكومًا بالإعداد الجيد لها، وهذا لن يتحقق إلا إذا قامت الأطراف المختلفة بما عليها من مسؤوليات ومهمات، ينبغي أن تكون مقرونة بإرادة سياسية للمضي نحو نتائج أفضل على طريق الحل السياسي في سوريا.

Comments (0)
Add Comment