حسين عمر
أثار الطرح الفيدرالي كنظام سياسي لسوريا ما بعد الحرب الأهلية ردود فعلٍ عنيفة من قبل الأطراف السياسية العربية وكذلك وسائل إعلامها، تجاوزت بل وأغفلت بمعظمها مناقشة شكل الدولة ومضمونها السياسيين لتطعن، لا في مشروعية الطروحات الكوردية فحسب بل ووصلت إلى حدّ الطعن في الذات القومية الكوردية ووجودها التاريخي في سوريا. وقد تعمّدت هذه الأطراف والوسائل الإعلامية ربط الطرح الفيدرالي بمقولتين رئيسيتين تهدفان إلى تشويه مفهوم الفيدرالية وجعله منبوذاً في الوعي والرأي العام السوريين. فقد حرص المعادون للفيدرالية على ربطها بفكرة التقسيم في حين أنّ الفيدرالية تعني، تعريفاً، الاتحاد وتهدف، مضموناً، إلى تحويل الدمج القسري إلى الاتحاد الطوعي. كما حرص هؤلاء على أن يُنسب الطرح الفيدرالي إلى مشاريع دولية وإقليمية وألبسوها لبوساً تآمرياً. في مقابل هذا الكمّ الهائل من الحبر المراق في معاداة الطرح الفيدرالي، لم تبذل الأطراف العربية وكذلك النخب الثقافية والفكرية المحسوبة عليها أو المستقلّة عنها أي مشروع جدّي وحقيقي لسوريا المستقبل بما يجنّبها استمرار الحرب المدمّرة والاقتتال الدموي أو إعادتها إلى النظام المركزي المطلق الذي كان العامل الأبرز في تفجّر الوضع في سوريا.
الحقيقة أنّ معاداة الطرح الفيدرالي في سوريا تنطلق، في معظمها من ركيزتين منطلقين رئيسيين؛ منطلق قومي شوفيني يتنكّر للحقوق القومية الكوردية ويضمر رفضاً لأيّ دورٍ حقيقيّ للكورد كمكوّن أصيل في مستقبل سوريا؛ ومنطلق طائفي يضمر نزوعاً جامحاً إلى الانتقام من الطائفة العلوية بجريرة طغمة اغتصبت السلطة باسم العروبة لا باسم الطائفية السياسية.
والحال أنّ بواكير تشكّل الدولة السورية، في عهدها الملكي، كانت تُظهر بوضوح الهوية غير المتجانسة وغير المتماسكة سياسياً، ليس فيما يخصّ الكورد كمكوّن قومي لم تُلحق مناطقه بالدولة السورية إلا في مراحل متأخّرة من عهد الانتداب الفرنسي، بل وحتى فيما يتعلّق بالأقاليم العربية. فالدستور الأوّل للمملكة السورية والذي أقرّه “المؤتمر السوري العامّ” ونُشرِ في 13 يوليو 1920، كان ينصّ في المادّة الثانية من الفصل الأوّل على أنّ “المملكة السورية تتألف من مقاطعات تشكل وحدة سياسية لا تقبل التجزئة.” وعلى الرغم من اعتبار المملكة” وحدة سياسية لا تقبل التجزئة” إلا أنّها كانت تتألّف من “مقاطعات”. لكن النظام الفيدرالي الصريح في سوريا تمثّل بإعلان هنري غورو في 28 يوليو 1922 حينما نصّ على ولادة الاتحاد السوري على أساسٍ فيدرالي بين دولة دمشق ودولة حلب ودولة جبل العلويين ولم يُحلّ هذا الاتحاد الفيدرالي إلا في 15 ديسمبر 1924 بقرارٍ من المفوّض السامي الفرنسي مكسيم فيغان حينما أعلن قيام “الدولة السورية” كحصيلة لدمج دولتي دمشق وحلب بعد فصل دولتي جبل العلويين وجبل الدروز عنها وفك لواء إسكندرون عن ولاية حلب.
دون الخوض في التفاصيل القانونية، يمكن القول، باختصار، أنّ الفيدرالية هو نظام من اللامركزية السياسية لدولة متّحدة يُصاغ دستورها بناءً على توزيع السلطات والثروات بين الحكومة الاتحادية ونظيراتها الإقليمية بما يضمن استمرار الدولة متّحدةً. وهي، بخلاف ما يشنّعها المعادون لها، إحدى أنجع الصيغ لتجنّب تفكّك الدولة أو قطع الطريق أمام تلاعب القوى الدولية بمصيرها.