هوشنك أوسي
منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن وملتهب. تعيشُ مخاض ولادة جديدة، عسيرة ومؤلمة جداً. كل المشاكل القوميّة والدينيّة العالقة، طفت على سطح صراعاتها. لكن الشرق الأوسط لن يعيش في هذا الجحيم، إلى الأبد. وحتّى لو فشلت الثورات فإن علم الاجتماع السياسي سيبقى يسمّيها ثورات، لأنها ساهمت في خلخلة البنى الاجتماعيّة والفكريّة الجامدة في المجتمع، وفتحت المجال أمام التحوّلات وولادة أفكار جديدة.
مناسبة هذا الكلام، هو الموقف السلبي لحزب العمال الكردستاني من ثورات المنطقة. إذ لم يشذّ خطابه عن خطاب الذين يحاولون، بشتى الوسائل، الطعن بها، واعتبارها «مؤامرة إمـــبرياليّة علــــى الأنظمة التقدميّة والمقاومة». لقد شكك الكردستاني بالثورة الليبيّة، بحجّة تدخّل الناتو، وانتعاش جماعات الإسلام السياسي. وكـــان بعض قياداته يقولون: «لقد وقف القذّافي إلى جانبنا يوماً ما». ونسي هؤلاء أن القذّافي ديكتاتور وطاغية امتدّت شروره حتى خارج ليبيا. وأنه قدّم جائزة حقوق الإنسان لأردوغان فيما كان يقمع الكرد والكردستاني! الموقف نفسه اتخذه حزب العمال من الثورة السوريّة، والكثير من المعطيات والمؤشّرات يؤكّد وجود علاقة وتنسيق بين الكردستاني ونظام الأسد. كذلك استخدمت الحجّة نفسها: «ساعدنا نظام الأسد، لمدّة 20 سنة». ويتناسى هؤلاء أن ذلك لم يكن كرمى لعيون الكردستاني والكرد! وأن الأسد الأب وقّع اتفاق أضنة مع تركيا، وشارك في اختطاف اوجلان، مباشرة أو مداورة.
ولأن الكردستاني قاد ثورة لحقوق الكرد المضطهدين، كان يُفترض أن يكون أوّل المدافعين والداعمين للثورات في المنطقة، لكنه انزلق نحو المصالح الحزبيّة الضيّقة، بحجّة تحييد الكرد، وتجنيبهم ويلات الحرب في سورية، علماً أنه أقحم كرد تركيا وسورية والعراق وإيران في حربه على أنقرة، مدة 30 سنة!
ويبرر الكردستاني موقفه السلبي من الثورة السوريّة بأن هنالك تدخّلات أميركيّة وتركيّة وقطريّة وسعوديّة، وإمبرياليّة… في هذه الثورة. وهذا صحيح. ولكن صراع الكردستاني مع تركيا، وحربه عليها، كانا أيضاً بدعم سوري وإيراني ويوناني وأرميني! ويتناسى الحزب أنه كان مخترقاً من الدولة الخفيّة التركيّة أيضاً! بالتالي، ووفقاً لمعاييره في سورية، فإن ما قام به الكردستاني ضدّ تركيا لم يكن أيضاً ثورة، للأسباب نفسها.
خلال سنوات اعتقاله، بذل أوجلان جهداً سياسيّاً وفكريّاً كبيراً لطيّ صفحات الحرب في تركيا. ويمكن القول إن أردوغان مدين لأوجلان، لجهة تحقيق حزب العدالة والتنمية نجاحاته وانجازاته السياسيّة والاقتصاديّة، بفضل التسهيلات والتساهلات والتنازلات الكثيرة والمؤلمة التي قدّمها في إطار سعيه الى حلّ القضيّة الكرديّة. بالتزامن، بذل أوجلان الكثير من الجهد كي يبقي حزبه تحت السيطرة، بالإضافة إلى محاولة إخراجه من العسكرة الى الحياة المدنية. وصحيح أن الكردستاني تبنّى المراجعات النقديّة لأوجلان في الكتب التي ألّفها داخل السجن، وأكّد أنه يتبنّى نظرياً مفاهيم المجتمع الإيكولوجي والأمّة الديموقراطيّة والجمهوريّة الديموقراطيّة والمواطنة الحرّة…، لكن الكردستاني ما زال عملياً منغلقاً على آيديولوجيّته اليساريّة السابقة، بل انزلق أكثر نحو التزمّت والدوغمائيّة، وعبادة القائد… وتسيطر على سلوكه، بخاصّة في سورية، نزعة عدوانيّة، كارهة للتنوّع والاختلاف. وأصبح التخوين، أسهل وأبسط تهمة يطلقها على من يختلف معه!
فهل يعلم أوجلان حقّاً ما يقوم به حزبه في سورية؟ هل هنالك من يقول له إن ذهنيّة التخوين هي الحاكمة في أداء الكردستاني، وإن ممارسات حزبه، هي على الضدّ تماماً مما يطرحه من أفكار ومشاريع؟! هل يعلم أن حزبه يمارس العنف، ضدّ الكرد السوريين، المختلفين معه ويعتقل النشطاء والسياسيين والصحافيين، ويقتل المدنيين في مدينة عامودا وكوباني؟! هل يعلم أن رهان حزبه على نظامي الأسد وطهران، خاسر؟ وأن حزبه يشنّ حرباً إعلاميّة وسياسيّة شعواء على الديموقراطي الكردستاني ومسعود بارزاني، ويتهمه بالخيانة؟ هل أوجلان راضٍ عن محاولات شيطنة بارزاني التي يمارسها الكردستاني منذ أشهر، بما يضع كرد سورية في مواجهة كرد العراق؟
أغلب الظنّ أن المعلومات التي تصل أوجلان حول كرد سورية، وكردستان العراق، فيها الكثير من المبالغة والتضليل. وربما كانوا يوصلون إليه أخباراً من نوع أن بارزاني خائن وعميل لتركيا، ومتآمر على الحزب والثورة!. أو أن فكره «تهتدي به شعوب المنطقة» ويتم تدريسه في كبريات الجامعات العالمية! لكن أوجلان يفترض أن يعرف، قبل غيره، كذب ذلك وما فيه من نفاق، وأن يتحسس المسؤولية التاريخيّة الملقاة على عاتقه، وهي كبيرة وثقيلة جداً، حيال الأكراد وحيال المنطقة، بحيث لا يتحوّل حزبه ورقة في يد سواه. وأغلب الظنّ أنّ هذا لا يوصله إليه المقرّبون.