في أقل من شهر، أقدم تنظيم «داعش» على إعدام سيدتين سوريتين بتهمة الزنا في مشهد مروع ترجو فيه إحداهما قاتلها ان يسمح لها بوداع أطفالها، ليقابل طلبها بطلقة في الرأس. كما كان التنظيم أعدم في الاسبوع الاول من السنة الجديدة 3 محاميات عراقيات في ما وصفته الامم المتحدة في تقريرها الأخير بـ»منهجية استهداف مباشر للنساء المتعلمات والعاملات واللواتي شاركن في الترشح للانتخابات». يضاف الى السجل الحافل هذا، عدد من العقوبات الوحشية بحق مدنيين كالصلب وبتر الاطراف والقتل المباشر (الذي يبدو رحيماً في هذه الحالة) لأسباب واهية، تراوح بين مشاهدة كأس آسيا لكرة القدم وتسببت في موت 13 مراهقاً سورياً، أو تربية الحمام وأودت بنحو 15 عراقياً. أما آخر الابتكارات الزجرية فكان رمي شابين في الموصل عن سطح مبنى مرتفع بتهمة «الشذوذ الجنسي» ثم رجمهما حتى الموت. وتفيد أرقام غير رسمية أن عدد المدنيين الذين قتلوا خارج سياق العمليات العسكرية، في مناطق سيطرة «داعش» الممتدة في سورية وحدها، بلغ نحو الف و400 شخص في عام واحد، بينما قتلت 150 امراة عراقية بضربة واحدة الشهر الماضي لأنهن رفضن الزواج بمجاهدين.
هذا ما تم توثيقه وتسريبه على الاقل، ولا شك أن ما خفي أسوأ بكثير. فمن لم يحكم عليهم القضاة الشرعيون بذلك «الخلاص» اذا صح التعبير، يعيشون في ظل نظام صارم يقيد حركتهم وسلوكهم ويفرض شروطاً «طالبانية» للحياة تنتهك انسانيته عبر جعل الضحية تقتنع أحياناً بصوابية جلادها، وذلك عبر تثبيت نظام قيم متخلف ورجعي يعتمد ترهيب الكبار وتلقين الصغار.
فليس من المصادفة إلغاء المدارس «المدنية» وإبعاد الفتيات عنها وإحلال مناهج تعليم «داعشية» مكانها، وإشراك الاطفال في تلك الاعمال الوحشية حضوراً وتصويراً وتصفيقاً… وتنفيذاً.
والى ذلك، فإن غالبية تلك العقوبات تتم في وضح النهار وبشكل علني أمام المارة في سوق او ساحة عامة، لتترك بعدها كماً هائلاً من الاسئلة. هل يمضي الجمهور في حال سبيله بعد هذا المشهد؟ هل من عائلة تأخذ الجثة فتحتضن فقيدها وتبكيه وتدفنه؟ أي طبيب يضمد ساعداً بترت يده؟ نحن من نعيش خارج حدود «الدولة»، لا نعرف إلا ما يصلنا من دقائق قليلة مصورة عن العقوبة نفسها.
ومن المفارقات المذهلة أن يكون التنظيم الاكثر استعباداً للمرأة وقسوة عليها، هو الاكثر استقطاباً لها. فمعلوم ان انخراط النساء في الاعمال العسكرية والعنفية ليس جديداً، لكن اللافت هذه المرة هرولتهن الى كنف عدوهن الاول. يكفي أن نعرف مثلاً أن نحو 63 امرأة فرنسية توجهن الى سورية للانضمام الى صفوف «داعش»! والتنظيم في المقابل لا يبخل عليهن بالأدوار والمهام، حيث تستمد حارسات النوايا هؤلاء سطوتهن من سطوة الرجال، فيمعنّ في قمع نساء أخريات ومراقبة الحركة واللباس والسلوك الفردي والعام وتنشئة أطفال ذكور تحديداً، على منظومة القيم «الطالبانية» تلك، بما يكرسها ويحولها الى نمط يومي وشأن عادي، فتبقى وتتمدد… ليس عسكرياً فحسب، وإنما اجتماعياً ونفسياً وسلوكياً.
هكذا إذاً هي الحياة في مناطق «داعش»… أو بالاحرى في غالبية «المناطق المحررة». وهذا الوعد هو الذي يجب ان نترقبه بـ «تحرير» مزيد من البلدات والقرى طالما لم نسمع بعد عن نهج ثالث اثبت تماسكه وجدواه في مواجهة «حضن الدولة» و»حضن الوطن».
في لحظات تجل قليلة وعابرة، يسر معارضون سوريون منخرطون في الثورة حتى النخاع أنهم مطمئنون على عائلاتهم لأنها إما لا تزال في مناطق النظام، أو أنها ضمن المناطق التي تم التفاوض عليها، أو بكل بساطة لأنها لا تزال بعيدة عن يد «داعش». ينتابهم تأنيب ضمير فور بوحهم بتلك الحقيقة المؤلمة، فيعودون الى «رشدهم الثوري» ليستدركوا ان أي شيء… أي شيء، حتى «داعش» افضل من بشار والبعث. «إنها الشيزوفرينيا»، قالت صديقة قدمت أخيراً من دمشق، متحدثة عن نوبات هلع تصيبها وأبناء حيّها فور ورود أخبار عن اقتراب «تحرير» منطقتهم. انه التمزق بين رغبة بالانعتاق من حكم جائر، والرعب من حكم أسوأ. هكذا لم يبق لمن هم في الداخل السوري حضن ثالث يرتمون فيه، فحتى اصدقاء الامس من المعارضين قاموا بتخوينهم إذ أوجدوا لأنفسهم صيغة حياة في بلدهم.
هؤلاء هم سوريو الداخل، الناس العاديون الذين تم نسيانهم وما عادوا قضية أحد، ودفع كثير منهم إلى حضن شيطان يعرفه، بدل شيطان يجهله. ومن لا يريد الاستماع لهم ورؤية معاناتهم بالعين المجردة، فليكتف برجمهم كما ترجم «داعشُ» «الزانيات».
بيسان الشيخ