لمى الأتاسي
تعالوا نتصور للحظة الرقة عاصمة لمنطقة في سوريا، وتحت راية الوطن السوري، يسكنها مجتمع داعشي ولو تحت تسمية سوري، ولكن بذات الفكر والمنطق، فهل بإمكاننا أن نكون شركاء بذات الوطن؟ لنذهب أبعد ماذا لو قيل لنا أن سوريا هي هكذا أغلبها ذات فكر إسلامي يقضي بقانون منطقياً لا يساوي البشر والذكر والانثى والمسلم وغير المسلم، بل يقال بأنه من منطلقه يعدل وشتان ما بين أن يعدل وأن يساوي.. وماذا لو قيل لنا هذا شعبها هو لا يريد أن يعيش بندية ومساواة، ولا حتى في ما بين ذكور القبيلة السنية على حدا.. فهؤلاء سكانها وهذه العقليات ليست آتية من المريخ، ولا من عقل أبو بكر الفرنساوي وأبو عمر الشيشاني، لا بل هي من صميم الرقة وكل مناطق سوريا، هي عقليات في وسط دمشق ووسط حمص وحماة وفسط حلب وجبلة ودرعا وطرطوس وتدمر وكل سوريا بأغلبية سكانها. فهل يا ترى حينما تتجسد عقلية عامة بهذا الظلم سنشعر بذات الانتماء لهم، هل سننتمي معهم لذات الوطن وإن كان ما زال اسمه سوريا؟
المفردات المشتركة والمفاهيم المشتركة، هي قيم عميقة لدى أي شعب، فهل نحن شعب معهم وهم يضطهدون نساءهم، ويغتالون المختلف عنهم بعدة طرق؟
لنذهب أبعد أن تم تحرير الرقة من داعش من قبل أناس لا يتكلمون لغتي، ولا يحملون ذات الهوية الثقافية، ولكنهم يحملون قيم كتلك التي أدافع عنها، فهل هناك حرج من أن أفضلهم على الدواعش؟ وهل هناك حرج من أن أرفض هيمنة هوية داعشية سلفية إخوانية تكرست في سوريا، وهي ظالمة لأكثر من نصف الإنسانية، ولو فكرياً، ويكون رفضي باسم حرية الإنسان، وانتمائنا المشترك للبشرية بشكل مطلق، ولمنطق حقوق الإنسان بأعمق معانيه.. باسم انتمائي لعالم دون حدود غبية.. انتمائي لعالم المساواة؟
قد يبدو كلامي بديهي، ولكن الواقع أنه ليس هكذا بنظر الكثيرين ممن يعتبروا الانتماء العرقي والثقافي المكتسب عبر الأجيال أهم من القيم الإنسانية..
من هنا نستطيع أن نرى أن حالة انفصام الشخصية قد أصبحت مزمنة عند النخبة التقدمية في سوريا، والتي وقعت في فخ الإخوان والأسلمة والعروبة الإسلامية، ولم تعد تستطيع التراجع، ونسمع منهم الجملة ذاتها مكررة منذ خمسة أعوام: «هناك أولويات وأولويتنا هي إسقاط النظام، وعدونا هو بشار الأسد.. وحالياً حلفنا إسلامي، ونؤجل أي نقاش لبعد النصر».. وطبعاً من غير الممكن إقناعهم بأن معارضة النظام وإسقاطه غير ممكنة، وغير مقنعة مع هذا الحلف وهذا العقل المتحجر الذي يعشش في عقول ذكور القبيلة أجيالاً عبر أجيال.
هؤلاء التقدميون السوريون الذين لم يتخذوا موقف الانسحاب الجاد من الطرفين (الإسلام السياسي والدعم الديكتاتوري من النظام السوري أو الأنظمة الحليفة الأخرى الديكتاتورية)، لم يعتبروا قط ولم يتعلموا من دروس التاريخ، وهذا رغم أنهم عاشوا الثورة الإيرانية، وشاهدوا بأم أعينهم كيف خان الخميني أنصاره التقدميين، وكيف سجنهم، وكيف فرض على نساء كانوا حرات ثائرات ضد الديكتاتورية الملكية الحجاب أو التشادور الأسود، وكيف أصبح الحرس الثوري همه الوحيد مطاردة الأحرار، والتدخل في أدق تفاصيل حياة البشر.
إن كان العلم السوري سيرفرف فوق رأس بشر داخل عقولهم ثقافة القطيع الحجرية بتعنتها وتكبرها وتخلفها ولا إنسانيتها لا أريده، وإن تحولت سوريا لمعقل داعشي الفكر يسلب نساء الأرض جميعاً حقوقهن سأقف بعيداً، منفية في الضفة الأخرى مع كل من يقف مع حقي بالحياة الحرة الكريمة، ومع حق أي إنسان مضطهد أينما كان.
إن المعارض الذي يعتبر أن حق المرأة في بلادي من الثانويات، والحريات الشخصية من الثانويات، والقضية الكوردية في سوريا من الثانويات، وحقوق البشر جميعاً بالمساواة والحريات من الثانويات، بينما أولويته الوحيدة إسقاط النظام، لي الحق أن أفقد ثقتي بجدية نضاله للتغيير وأن أشكك في إمكانياته لإدارة أي عملية تغيير.