هوشنك أوسي
عمليّاً، تعيش تركيا في ظل نظام رئاسي غير معلن. وليس من المبالغة بشيء القول أن الصلاحيات التي يتمتّع بها رجب طيب أردوغان تفوق وتتجاوز الصلاحيات الممنوحة لباراك أوباما بموجب الدستور والنظام الرئاسي المعمول به في أميركا. أبعد من ذلك، فصلاحيّات أردوغان، غير الدستوريّة حتى الآن، تتجاوز صلاحيّات السلاطين العثمانيين أيضاً، لجهة الانفراد والاستبداد في الرأي والقرار. بمعنى أن سعي أردوغان حاليّاً ينحصر فقط في بلورة التكييف الدستوري الداعم المحصّن سلوكه المنتهك الدستور، في سياق جرّ تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي! ذلك أن أردوغان انتهك الدستور، في فترات كثيرة، وتدخّل في كل شاردة وواردة من عمل حكومة رئيس الوزراء التركي السابق، المُقال أو المخلوع، أحمد داود أوغلو، بحيث أصبح الأخير ليس فقط مجرّد واجهة وحسب، بل شارب «كأس» أردوغان الذي سقى منه الرئيس التركي السابق عبدالله غل، وحليف أردوغان السابق الداعية فتح الله غولن.
وكان واضحاً وضوح الشمس، لمن يريد أن يرى ويفهم ما يجري في تركيا، كيف أن أردوغان أخذ الكأس من يد داود أوغلو وناولها لرئيس الوزراء الجديد، بن علي يلدرم، كي يسقيه منها بعد استنفاد صلاحيّته وقيامه بالمهمات الموكلة له على أكمل وجه. والتجربة الأردوغانيّة في التعامل مع الحلفاء الذين يعتمد عليهم في تعزيز سلطانه وسطوته تؤكّد أنه سيأتي اليوم الذي يشرب فيه يلدرم أيضاً من الكأس ذاتها التي شرب منها سابقوه!
وسط هذه السلطانية غير المعلنة التي يعيشها أردوغان، ثمّة كوابيس تؤرق حياته وأحلامه التي حققها أو يطمح إلى تحقيقها. ومن أبرز هذه الكوابيس:
1 – أن يسقيه أحد من حاشيته من الكأس ذاتها التي سقاها لصديقه غل، وحليفه السابق غولن، ورئيس ديبلوماسيته ووزارته السابق داود أوغلو. ذلك أن مخاوف أردوغان من تشكّل حلف بين الذين غدر بهم (داود أوغلو، غل، غولن…) ما زالت قائمة. لذا، يصار إلى «شيطنة» داود أوغلو في الإعلام الموالي للحكومة. وفي حال لمس أردوغان أي تحرّك من هذا النوع، لا يُستبعد أن تظهر ملاحقات قضائية تطاول داود أوغلو أيضاً. والتهم دوماً جاهزة!
2 – أن يحقق كرد سورية، بدعم من «العمال الكردستاني» وأميركا وأوروبا، إقليماً كرديّاً شمال سورية، على الحدود الجنوبيّة لتركيا، ويضطر أردوغان لإعادة العلاقة مع الأسد وروسيا للحؤول دون ذلك، وأن يفشل في هذا المسعى أيضاً، فيما ترفض إسرائيل ونظام الأسد اليد التي يمدّها أردوغان للقرداحة وتل أبيب، من تحت الطاولة.
3 – أن يتحقق التعاون والتنسيق بين «العمال الكردستاني» و «الديموقراطي الكردستاني» العراقي، وتقوى شوكة الأكراد أكثر فأكثر. فتضطر تركيا وأردوغان للدخول في مفاوضات جديدة مع «العمال الكردستاني» تتنازل فيها عن الكثير من الغطرسة الأردوغانية – الأتاتوركية.
4 – أن تنفجر فضائح فساد جديدة تكشف تورّط قيادات حزب أردوغان ووزرائه السابقين أو الحاليين، بخاصة مع إيران، وكيف أن تركيا أصبحت مغسلة للأموال الإيرانية، حين كان حلفاء أنقرة في الغرب يشددون الخناق الاقتصادي على طهران، بينما كانت أنقرة تقدّم لعاصمة الملالي طوق النجاة. وعــــليه يتبدّى كيف أن أنقرة متورّطة فـــي الدم السوريّ، من البوابة الإيرانية أيضاً، وليس فقط من بوابة دعم «داعـــش» و«النصرة» والتنظيمات التكفيرية النشــــطة والمـــتــقاتـــلة عــلى الأرض السورية.
5 – أن تنفجر فضائح تكشف تواطؤاً بين مخابرات أردوغان والجناح المتطرّف في «الكردستاني» بهدف الاستمرار في دوامة العنف وإراقة الدماء. ما يعني تورّط أردوغان و «دولته الخفيّة والعميقة» في الدم التركي – الكردي.
6 – أن ينجح اللوبي الأرمني في تحقيق المزيد من المكاسب على الصعيد الدولي، لجهة تشديد الحصار على تركيا وأردوغان، وإدانة الدولة التركية بارتكاب المذابح، وإجبار أنقرة على الاعتراف بهذه المجازر، ودفع التعويضات المادية والمعنوية.
7- أن تفشل الأذرع السياسية والعسكرية التركية ضمن المعارضة السورية في إطاحة المكاسب الكردية في سورية. وتترسخ وتتكرس هذه المكاسب.
ختام القول: كلما ازداد حكم أردوغان استتباباً وتسلّطاً على رقاب الأتراك، ازداد قلق وهواجس بل كوابيس السلطان التركي، أردوغان الأوّل.