تختبر دمشق احتمالات فتح قناة خلفية مع أنقرة لفتح جبهة مشتركة ضد «الاتحاد الديموقراطي الكردي» لمنع قيام «كردستان سورية» شمال سورية قرب حدود تركيا، الأمر الذي تشجعة طهران وعرضت الجزائر استضافة لقاءات غير علنية لبحث امكانية تحقيقه، في وقت بدا «الملف الكردي» بين يدي التحالف الدولي بقيادة أميركا وسط انضمام «حلف شمال الاطلسي» (ناتو) الى عملياته ضد «داعش» وبين اهتمامات روسيا التي تقيم علاقة جيدة مع أكراد سورية وتدعم القوات النظامية السورية ضد «داعش».
وكان لافتاً ان رجل الأعمال السوري خالد الأحمد المقرب من الرئيس بشار الأسد والمكلف بالحوارات الخلفية مع مسؤولين غربيين، شارك في «منتدى اوسلو» قبل أيام والذي تحدث فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري وعقد لقاء مع نظيره الإيراني جواد ظريف بعد لقاءات تفصيلية بين مساعديهما تركزت على الملف السوري، علماً أن المستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة بثينة شعبان شاركت في المنتدى قبل سنتين.
ووفق الأنباء المتوافرة، فإن مسؤولين في دمشق بدأوا طرح فكرة اختبار امكان فتح قناة مع الحكومة التركية لمواجهة فكرة تقسيم سورية وقيام اقليم كردي، حيث وضع بعض المسؤولين تقدم القوات النظامية إلى الطبقة للسيطرة على مطارها العسكري وإمكانية التقدم الى ريف حلب والتوغل في عمق ريفه الشمالي، على أساس الاعتقاد بأن تقدم القوات النظامية يضعها في موقع عسكري أفضل ضد «داعش» ويمنع ربط أقاليم الإدارات الذاتية الكردية في الجزيرة شمال شرقي سورية وعفرين في ريف حلب الشمالي والحيلولة دون قيام «غرب كردستان».
وعرضت الجزائر، التي تقيم علاقات أمنية رفيعة مع دمشق وتبادل مسؤولون سياسيون الزيارات في الفترة الاخيرة، استضافة لقاءات بين مسؤولين سوريين وأتراك لتحسين العلاقات. ويُعتقد بأن دمشق تريد أن تبحث في تشكيل «جبهة موحدة ضد الأكراد والتوحد ضد الخطر المشترك» بما يشبه ما حصل في العقد الماضي عندما أدى تحسن العلاقات بين دمشق وأنقرة إلى قمع نشاطات «حزب العمال الكردستاني» وتسليم عشرات من قادته الأتراك الى انقرة. كما تدعم طهران هذا التوجه بسبب ما يجمعها مع انقرة ودمشق من القلق من تنامي الطموحات الكردية في سورية بعد العراق وإمكانية انعكاسه على أكراد إيران، الأمر الذي يذكّر بالتنسيق الثلاثي (الإيراني – التركي – السوري) في النصف الثاني من عقد التسعينات ضد إقليم كردستان العراق.
ويفسر هذا كيف أن ملاحظات دمشق وطهران على مسودة روسية للدستور السوري قُدمت إلى واشنطن، اتفقت على حذف كل ما له علاقة بحقوق معيّنة للأكراد وتشكيل أقاليم الإدارات الذاتية ومجالس المناطق.
لكن مسؤولاً كردياً رفيع المستوى قال لـ «الحياة» انه يستبعد نجاح الاقتراح بتعاون بين دمشق وأنقرة بغطاء ايراني وعبر منصة جزائرية، مورداً أسباباً عدة بينها أن «المسألة باتت أكبر بكثير من الإرادة الإقليمية وباتت دولية وترتبط بمصالح الدول الكبرى»، في إشارة إلى أن التحالف الدولي بقيادة أميركا يقدم الدعم لـ «قوات سورية الديموقراطية» الكردية – العربية في معاركها ضد «داعش». كما أن مسؤولين أميركيين زاروا مرات عدة شمال سورية وشمالها الشرقي للتنسيق مع القيادات العسكرية الكردية.
وباتت «قوات سورية الديموقراطية» تشكل القوات البرية للتحالف الدولي في معاركه ضد «داعش». كما نوه مبعوث الرئيس الأميركي للتحالف ضد «داعش» بريت ماكغورك بقدرات المقاتلين الأكراد ومدى تنظيمهم وروحهم القتالية ضد «داعش».
ولوحظت في الأيام الاخيرة زيادة الانخراط العسكري الأميركي عبر ارسال قطع الى البحر المتوسط وتدخل حلف «الناتو» عبر ارسال طائرات «آواكس»، وذلك في اشارة إلى روسيا وتركيا من أن واشنطن وحلفاءها جديون في قتال «داعش» لأن هذه الاطراف باتت تنظر الى التنظيم على انه «خطر على الأمن القومي لا يمكن التساهل ازاءه». كما انضم جنود فرنسيون الى المعارك، فيما بات موضوع انخراط الألمان جزءاً من النقاش الداخلي.
وسُجّل صدام ديبلوماسي عنيف بين الجانبين الأميركي والروسي في مجموعتي العمل المنبثقة من «المجموعة الدولية لدعم سورية» في جنيف خلال الأيام الماضية، سواء ما يتعلق بتبادل الاتهامات بين الطرفين إزاء تحميل المسؤولية عن تأمين نزوح المدنيين من منبج بعد حصارها من «قوات سورية الديموقراطية» أو استهداف الطيران الروسي مجموعات سورية معارضة مدعومة أميركياً وتقاتل «داعش» في مناطق عدة بينها في ريف درعا قرب الاردن والتنف قرب العراق.
وتتضمن الخطة الاميركية المنسّقة مع الأكراد قطع كل خطوط الامداد بين منبج وريف الرقة وحدود تركيا، قبل انطلاق «قوات سورية الديموقراطية» للسيطرة على الرقة، بعد الاتفاق على تشكيل مجلس مدني عربي لإدارة المدينة بعد «التحرير الثالث» من النظام في بداية ٢٠١٣ ثم من «الجيش الحر» بعد سنة.
وقدّم مسؤولون أميركيون «تأكيدات» الى أنقرة بأن المسلحين الأكراد لن يعبروا طرفي نهر الفرات ولن يربطوا جناحي «غرب كردستان»، ووافقوا على أن تكون تركيبة «قوات سورية الديموقراطية» في منبج من العرب والتركمان والشركس مقابل أقلية كردية. لكن الشكوك لاتزال تساور انقرة. كما أن مسؤولاً كردياً رفيعاً قال أمس «إن وحدات حماية الشعب ستذهب إلى عفرين عاجلاً أم آجلاً. قد يكون الموضوع مؤجلاً قليلاً، لكنه سيحصل. الآن أو غداً يجب أن تتحرر كل المناطق الكردية على الشريط الحدودي مع تركيا».
الحياة