مشهد جلسة المحادثات بين وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو والرئيس السوري بشار الأسد لم يختلف كثيراً في تفاصيله عن صُوَر لقاء الأخير مع الرئيس فلاديمير بوتين في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
اللمسات الإخراجية ذاتها برزت في المشهدين، الأسد وحيداً، لا يرافقه سوى سكرتير أو مترجم يكتب محضر اللقاء، وفي الطرف الآخر شويغو مع رئيس أركان حربه في سورية، وهما يجلسان في مواجهة الكاميرا كأنهما صاحبا البيت، بينما يعطي الأسد ظهره لها.
تلك لغة الكاميرات التي يتقن الروس استخدامها، وجربوها في مرحلة انتقالية عندما كان بوتين رئيساً للوزراء، لكنه كان يظهر على الشاشات كأنه سيد الكرملين.
شويغو لم يذهب إلى سورية لالتقاط صور تذكارية، بل كما يقول مقربون من الكرملين، لـ «إعادة ضبط الساعات» وإجراء مراجعة للأداء العسكري، بعدما برزت أخيراً مجموعة من النقاط التي تعكس تباينات في المواقف والتصرفات على الأرض.
جاء إعلان «الهدنة» الروسية في حلب الأسبوع الماضي، ليطرح أسئلة عن مستوى التنسيق الذي بدا هزيلاً، ليس فقط مع النظام السوري بل كذلك مع حلفائه الإيرانيين الذين تكبّدوا خسائر فادحة في حلب مع مقاتلي «حزب الله»، في ظل «غياب» الطيران الروسي.
وكان لافتاً أن موسكو استأنفت غاراتها على مناطق في ريف حلب، مباشرة بعد زيارة شويغو دمشق. الرسالة التي حملها كانت قريبة في جوهرها من عبارة قالها نائب روسي أخيراً مفادها: «روسيا لا تعمل عند النظام أو عند حلفائه، طيرانها ليس مجرد غطاء جوي، وأي تحرك لا يُنسَّق بالكامل مع روسيا لن يحظى بدعمنا».
ولكن، علامَ اختلف الطرفان في حلب؟ لا يجد السؤال إجابة لدى العسكريين الروس، لكن بعضهم يلمّح إلى تباين في أهداف العمليات العسكرية في أكثر من موقع في سورية. روسيا تسعى إلى أهداف محددة هناك، وإيران والمجموعات المسلحة التي ترعاها تتطلع إلى تحقيق أهداف أخرى.
وقد تكون هذه بين أسباب فشل اجتماع «ترويكا» وزراء الدفاع (الروسي والسوري والإيراني) في طهران أخيراً. ولا تبدو موسكو متحمّسة للمطلب الإيراني المتكرر بإرسال مزيد من القوات إلى سورية، وهذا بين الأمور التي «أوضحها» شويغو للأسد.
اللافت أن محللين موالين للنظام السوري سارعوا إلى إعلان «اقتراب معركة حلب» بعد زيارة شويغو، ما يعني أن ثمة رؤية روسية وربما شروطاً وُضِعت أمام الأسد من أجل تفعيل التنسيق.
ومع طغيان «الهمّ الميداني»، بدا التباين في السياسة واضحاً كذلك في المرحلة الأخيرة. فروسيا التي تدعم «تسوية سياسية ودمج المعارضة بالحكومة مع تحديد صلاحيات واضحة لها، وإجراء انتخابات بإشراف دولي صارم»، وفق ما قال بوتين أخيراً، تبدو واثقة وهي تعلن للعالم أن هذه الأفكار «يقبلها الأسد» الذي صدرت عنه جملة تصريحات نارية في الأسابيع الأخيرة، فضّلت موسكو تجاهلها ولم تعلّق عليها.
ثمة من يقول في روسيا أن الكرملين بعث عبر زيارة شويغو وعبر قنوات أخرى، رسائل جديدة إلى الأسد، فيها شق ميداني وآخر سياسي.
الحياة