إنكار الحقائق لا تجلب سوى المآسي

الدكتور شفيق إبراهيم

تاريخ البشرية بدأت من الشرق وخاصة الأوسط منه ، فكل الحفريات والآثار وقصص الأنبياء وكتبهم السماوية تنبئنا بهذا الحقيقة ،فمن السومريين إلى البابليين إلى الأكادييين  إلى الآشورريين إلى الميديين إلى الأمويين والعباسيين إلى الفرس إلى العثمانيين إلى الأيوبيين ومن ثم الدخول في عصر الإنحطاط والتبعية والتفكك والقتال الداخلي بين مكونات المنطقة وشعوبها ،ومعها دخولنا في نفق التخلف والعنصرية وإنكار الآخر المختلف في العرق أو الدين ونشوء الدويلات القومية والعنصرية محل الإمبراطوريات الشاسعة وحصول مجازر تندى لها جبين الإنسانية ولا تقرها اية ديانة أو مذهب أو أخلاق مثل المجازر التي أرتكبت بحق الأرمن والسريان والكرد على يد العثمانيين في أواخر أيامهم و ضعفهم وعلى يد مؤسس الدولة التركية ( أتاتورك) بحق الشعب الكردي المطالب بحريته أسوة بغيره من شعوب المنطقة ،وكذلك جرائم الإبادة الجماعية للمقبور (صدام حسين)بحق الكرد وما حلبجة وعمليات الأنفال إلا واحدة منها .

ولكن وبتأمل عميق لما جرى لشعوب المنطقة وما يجري لها اليوم كإمتداد طبيعي لنفس تلك العقلية الإقصائية وما تشهده المنطقة وخاصة سوريا من حرب شرسة اليوم من دون نتائج إيجابية تذكر كلها تأكيد على عقم المعالجة العنصرية أو الإقصائية تلك للمشاكل بين شعوب المنطقة و طوائفها وعدم قدرة أي طرف مهما أوتي من قوة القضاء على الآخر كون التعددية والإختلاف سنة من سنن الله على الأرض وطبيعة من طبائع هذا الكون الشاسع ،ولا يؤدي السير على هذا الطريق إلا إلى المزيد من الحروب وتشريد البشر والشعوب وإقتلاعها من جذورها وتسجيل المزيد من الأيام السوداء في تاريخ المنطقة وسجلات شعوبها وزرع المزيد من الضغائن والأحقاد بينهم ،ومناسبة حديثي هذا بعد هذه المقدمة الطويلة هي ظهور أصوات شاذة للمعارضة السورية تتنصل من الإعتراف بحقوق الشعب الكردي في سوريا كشعب أصيل يعيش على أرضه بالرغم من ما أدى إليه مثل تلك العقليات إلى ما نعيشه من حرب أهلية قذرة بكل المقاييس في سوريا ،وبدلا من الإتعاظ من مآسي الحرب الدائرة والمذكاة من قبل الأعداء الدوليين والإقليميين ،نرى البعض يحاول بتصريحاته خلق المزيد من الحروب بين شعوب المنطقة وإحداث شروخ عميقة في العلاقة بينها ،ومن هذه التصريحات العنصرية الإقصائية المتلاحقة ما صدر على لسان بعض شخصيات المعارضة السورية مثل ( أسعد الزعبي،ميشيل كيلو ،بسام جعارة ،برهان غليون ،كامل عطا،وهيثم المالح وكمال اللبواني ….الخ) ، وكل هذه التصريحات العنصرية تتفق على إنكار أي وجود للقضية الكردية في سوريا وتصورها كقضية حقوق مواطنة لا أكثر ولا أقل بالرغم من إقرار كافة الوثائق التاريخية ووقائعها على كون الشعب الكردي من أصحاب هذه الأرض الحقيقيين واللذين قسم بلادهم بموجب إتفاقية غادرة رفضها معظم شعوب المنطقة(إتفاقية سايكس بيكو)  والدور الذي قام به الشعب الكردي في تاريخ سوريا القديم والحديث يثبت إنه جزء أساسي ومكون أصيل من شعب سوريا قاوم الغزاة والمحتلين على إمتداد تاريخ سوريا وخاصة في عهد الإحتلال الفرنسي وكان له دور بارز في نيل الإستقلال لسوريا الحديثة عام 1946 ،ولكنه تعرض لطعنات غادرة من شركائه فغدروا به و أنكرو عليه كل حقوقه القومية وعانى من المآسي خلال ال 50 سنة الماضية وحرم عليه حتى التكلم بلغته الأم او إحياء تراثه القومي والذي يعتبر جزء من التراث الإنساني وتعرض إلى مظالم كبيرة كالتجريد من الجنسية وإغتصاب أراضيه بموجب قوانين عنصرية من حزب البعث الحاكم وفق العقلية العنصرية والتي نعيش نتائج تلك العقلية الإقصائية اليوم كحرب مدمرة للبلاد والعباد في سوريا،وفي الأحداث السورية المؤلمة حاليا ظهر واضحا للعيان مدى أهمية دور الكرد في حياة البلاد وهاهم اليوم يسيطرون على كامل ترابهم في سوريا وهم الطرف الأكثر عقلانية والأقرب إلى الفكر الديمقراطي والتسامح وتقبل الآخر،ولا فائدة من التهديد والوعيد لهم أو إنكار حقوقهم و دورهم في حياة سوريا المستقبلية بعد أن تضع الحرب أوزارها ،ولا بد من التقرب و بذهنية متفتحة ومتسامحة مع كافة مكونات الشعب السوري واللذين عانو من السياسات الإقصائية والعنصرية طوال العقود الماضية والتي أدت في النهاية إلى تفجير الوضع على طول البلاد وعرضه ودخول الشعب السوري في نفق مظلم وفصل مؤلم من تاريخه ، لذا لا بد أن نضع معا نهاية للإنكار ونغتح صفحة جديدة في تاريخ سوريا يحصل فيها كافة المكونات العرقية والدينية على كامل حقوقها وحصول الشعب الكردي على الإعتراف الرسمي بوجوده سيكون عامل إستقرار لسوريا المستقبل وسببا في إزدهارها وتألقها من جديد مستندا على قرون من التعايش المشترك في جو من السلم وبناء الحضارة التي كانت منارة للعالم كله.

Comments (0)
Add Comment