مصطفى فحص
كشف الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله فشل طهران في إقناع موسكو بضرورة الانخراط الكامل في معركة استعادة حلب وأريافها، من يد المعارضة السورية، إلا أن التسويق الإيراني للحملة العسكرية الجديدة على حلب، كأنها خيار استراتيجي حاسم لا بد منه، اصطدم بجدار الحسابات الإقليمية والدولية المعقدة، الذي يستحيل الالتفاف عليه في المرحلة الانتقالية الأميركية، حيث يحاول أغلب اللاعبين الحفاظ على مكتسباتهم العسكرية والسياسية وتثبيتها كأمر واقع، قبيل دخول المنطقة والعالم عصرا أميركيا جديدا.
ولا تخفي طهران، التي استغلت الغطاء الجوي الروسي لتحقيق تقدم ميداني عجزت عنه طوال 4 سنوات، قلقها من الحسابات السياسية لموسكو، ومصالحها المرتبطة مع أكثر من جهة إقليمية مؤثرة، فالتباين بين الطرفين لم يعد مقتصرا على امتعاض طهران من التمسك الروسي بالهدنة التي تحد من حجم التوسع العسكري للحرس الثوري في سوريا، وباتت تؤثر ميدانيا على العمليات العسكرية التي تقوم بها الميليشيات الإيرانية في حلب وأريافها، بل إن طهران التي أغرتها سابقا ورقة النزعات الانفصالية الإثنية والمذهبية في سوريا، وتعاونت مع موسكو في مساعدة أكراد سوريا، بهدف تحقيق طموحهم بتشكيل حكم ذاتي، وليس قناعة بالحقوق المشروعة للشعب الكردي في تقرير مصيره، بل بهدف استخدامهم كأداة في تهديد الأمن القوي التركي، والضغط سياسيا على أنقرة، بدأت تتعامل منذ مدة مع واقع كردي إيراني مرتبط ومتأثر بالحالة الكردية العامة المتصاعدة في سوريا وتركيا والعراق، حيث لم تعد طهران بمنأى عن تداعياتها. فمنذ أكثر من شهر، تسود المناطق الكردية، شمال غربي وجنوب غربي إيران، حالة من التوتر الشديد جراء الاشتباكات المسلحة المستمرة بين مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وقوات منظمة «البيجاك» مع الحرس الثوري، التي سقط فيها عشرات القتلى من الطرفين، في محيط مدينة مهاباد ومنطقة اشونية، غرب إيران.
وفي 20 مارس (آذار) الماضي، أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، الذي يطالب بقيام دولة فيدرالية في إيران، استئناف العمل المسلح ضد الحكومة الإيرانية، بعد توقف دام نحو 23 سنة، حيث دعا أمينه العام الكاكا مصطفى هجري، في كلمة ألقاها وسط حشد من مقاتلي الحزب بمناسبة حفل عيد النوروز الذي أقيم هذا العام في مقر الحزب في جبال قنديل الواقعة على الحدود الإيرانية العراقية، الشباب الأكراد إلى الانخراط في صفوف البيشمركة، قائلا: «في هذا العام، سنوحد القتال بين الجبال والمدن».
وعليه، فإن أكراد إيران يشعرون أن الفرصة متاحة أمامهم للحصول على مكاسب مشروعة، ورد الاعتبار لقضيتهم، بعد أن عادت المسألة الكردية إلى واجهة الأحداث على وقع أزمات المنطقة، حيث تمكن أكراد سوريا والعراق من المجاهرة علنا بطلب الانفصال، واستطاع أكراد تركيا إجبار أنقرة على تلبية كثير من مطالبهم، مما دفعهم إلى السير قدما في مواجهة طهران، والضغط عليها سياسيا وعسكريا، مستغلين ظروفا إقليمية استثنائية، وإمكانية استغلالهم لتقاطع مصالح دولية في الحصول على مطالبهم، على الرغم من عدم ثقتهم بالمجتمع الدولي الذي تخلى عنهم أكثر من مرة. ففي الذاكرة الكردية الإيرانية الورمة، لم تصمد جمهورية مهاباد الكردية، التي أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني عن قيامها في شمال غربي إيران سنة 1946 بغطاء سوفياتي، أكثر من 11 شهرا، فقد كانت ضحية تسوية بين واشنطن ولندن وموسكو، حيث رفعت موسكو الغطاء عنها لاحقا، بعد أن أقر لها بالسيطرة على جزء من ثروة إيران النفطية، فأعطى الديكتاتور السوفياتي جوزيف ستالين الأمر لجيشه بالانسحاب من شمال وشمال غربي إيران، الأمر الذي سمح للجيش الإيراني بدخول مدينة مهاباد، واعتقال الزعيم الكردي التاريخي الشيخ قاضي محمد، وإعدامه.
ومن حلب إلى مهاباد، الأولى فشل عسكري للميليشيات الإيرانية، ستصل تداعياته السياسية إلى الداخل الإيراني، وهو نتيجة تقاطع مصالح عواصم إقليمية ودولية مستجدة في سوريا، له أبعاد جيو – استراتيجيه، في مقدمتها استحالة قبول موسكو بتحمل تداعيات انتصار إيراني في شمال سوريا. أما الثانية، فمفادها أن إيران لم تعد محصنة بوجه عواصف المنطقة، فمحطات مهاباد المتكررة كشفت عن حجم المأزق في العلاقة بين المركز والأطراف في إيران، وأزمة الأقليات المتصاعدة، وخطرها على استقرار إيران الداخلي ووحدة أراضيها.