بعد أربع سنوات من الثورة السورية، وبعد أن توزَّع السوريون في أرجاء المعمورة، بشتى الطرق النظامية منها وغير النظامية، تصيدتهم قوارب الموت، افترستهم وحوش الغابات… والكثير الكثير منهم ضلُّوا طريقهم إلى وجهتهم.
الدول التي قبلت بهم كضيوف لديها، شفقة منها على حالهم وما آلت إليه أوضاعهم، ضيَّقت عليهم الخناق وحدَّت من حركتهم، ودول أخرى كثيرة لفظتهم بازدراء، وأخرى عافتهم وأدارت لهم الظهر، لأنهم باتوا ضيوفا ثقلاء على العالم أجمع.
كان حرياً والأمر كذا، وعلى أقل تقديرأن تظل أبواب الدول العربية مفتوحة أمام السوريين، أسوة بالدول الغربية والأوربية، والتي لم يكن مرجواً منها أن تفتح أبوابها على مصراعيها، ولكنَّها فعلت بدافع إنساني أو ربما للمنفعة، لايهم هذا الأمر كثيراً، ما يهم السوريون في هذه الحالة هوأن يشعروا بالأمان، وأنهم ليسوا وحدهم في محنتهم الطويلة الأمد، وأن هناك في الطرف الآخر من العالم، من يساندهم ويقف إلى جانبهم، أو قد يقدم لهم المأوى.
صديقي (نزار) افتتح صباحي بهاتف حزين آخر كعادته، كان حزيناً للغاية، نزار من أكثر من عام لم يعدم وسيلة، ولم يترك واحدة تعتب عليه إلا وجرَّبها ، محاولة منه التسلُّل إلى دولة غربية، مؤخراً قابلته، قال لي أن أحد أصدقاؤه في الجزائر، سيساعده من أجل دخول الجزائر والتسلل منها إلى إسبانيا أو إيطاليا، لتكون إحدى تلك الدولتين، محطة أخرى إلى ألمانيا، ولكنه اليوم كان ممتعضاً جداً، لأنه سمع أن الجزائر أيضا قد حصَّنت حدودها، وأغلقت أبوابها في وجه السورين، إلا بموجب تأشيرة دخول نظامية، وكانت قبلها مصر العربية، والمغرب ولبنان الجارة المقربة، أو الأخت الصغرى أيضا أدارت لهم الظهر، وأطلقت مؤخراً مجموعة شروط لدخول السوريين دولتها.
ناهيك عن دول الخليج التي تبنت القضية السورية، تأبطت الملف السوري في كل مؤتمر واجتماع، على أنَّها راعٍ رسمي للملف السوري، ولكنها في ذات الوقت عملت على إنهاء عقود السوريين لديها، وأغلقت أبوابها نهائياً في وجه المقيمين فيها والوافدين إليها، كأن بهم وباء مميت، حجرت على بلادها من الاحتكاك بالسوريين.
الكاتبة (و) تقول أنَّها دعيت خلال فترة الثورة السورية، من قبل مؤسسات ثقافية ومجلات، وجهات منظمة لمهرجانات أدبية، أو عن طريق أشخاص منفردين إلى دول الخليج، ولكن لأنَّها سورية لم يمنحوها الفيزا للمشاركة، لتلقي الأزمة السورية بشباكها العنكبوتية على أدمغة المثقفين وأدائهم، حتى أن الكاتبة ذاتها لاتزال ممتعضة جداً، لأن روايتها ستصدر قريباً في القاهرة، ولكنها غير مسموح لها بالسفر إلى القاهرة، لتوقيع روايتها من خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب، وكانت قبل شهر قد حُرمت من مهرجان للقصة القصيرة في مدينة الصويرة بالمغرب العربي بذات الذريعة (على أنها سورية) الأمر الذي أحبطها!
ومدرِّسة اللغة العربية (م) ألغت عقدها للتدريس من دولة الكويت، لأنهم لم يسمحوا لها بجلب ابنتها الصغيرة وزوجها، الأمر الذي جعلها تستقيل من التدريس عندهم، علماً أنها كانت قد حصلت على ذاك العقد بشق النفس.
وماذا بعد أيها العالم المحصًّن في وجه السوريين، أيجب عليهم ركوب قوارب الموت، واختراق الغابات والضياع في الطرقات والثلوج، حتى يصلوا إلى دولة أوربية، ودولهم العربية قاب قوسين منهم وأدنى
وجيهة عبد الرحمن