زهير قصيباتي
سأل القيصر بوتين السلطان أردوغان كيف يفسّر قُدرة «مفاجئة» أبداها خصوم النظام السوري في حلب ومكّنتهم من كسر حصاره للأحياء الشرقية، ملمّحاً ضمناً إلى الأصابع التركية وإصرار أنقرة على منع سحق الفصائل السورية المقاتلة في ثاني أكبر مدينة سورية.
ردَّ أردوغان بسؤال القيصر كيف يفسّر عجز النظام أمام اندفاعة الفصائل، لولا تباطؤ الطيران الروسي في منع كسر الحصار.
بداية متخيّلة لحوار سان بطرسبورغ بين بوتين وضيفه المنتصر على الانقلابيين في تركيا، والمرتاب بالنيات الأميركية والمعايير الأوروبية «المزدوجة». وإن كان بعضهم يستحضر انعطافة القاهرة إلى موسكو، إثر تراكم «مدوّنات السلوك» الأميركية وانتقادات واشنطن للسياسة الداخلية لعهد الرئيس عبدالفتّاح السيسي، مشبّهاً تعاون الرئيس المصري مع الكرملين بحرص أردوغان على «الصفحة الجديدة» مع «صديقه العزيز» بوتين، في ظل انهيار الثقة بين السلطان وإدارة الرئيس باراك أوباما، فالأهم هو مفارقة جمع القيصر الأضداد والمتخاصمين، في سعيه إلى الإمساك بمعظم أوراق الحرب السورية.
في تفسير مفاجأة كسر «جيش الفتح» حصار النظام السوري للأحياء الشرقية في حلب، ترِد مجدداً معادلة تقاطُع الأهداف الروسية والأميركية عند منع النظام من تحقيق «انتصار» كامل يعني شطب العملية السياسية والمفاوضات.
في المقابل، تلتقي الخطوط التركية والروسية عند هدف منع تقسيم سورية الذي يستتبع حتماً دويلة كردية تشكّل خطراً على وحدة تركيا. وتردد أن أردوغان القلِق من إشارة أميركية لا تستبعد سيناريو التقسيم، طلب من بوتين في قمة سان بطرسبورغ منع الأكراد السوريين من ترسيخ حدود «كانتون»، في مقابل تبادل معلومات عسكرية، فضلاً عن تعاون عسكري في إطار شامل، والتراجع عن تجميد مشروع بناء الروس محطة نووية على الأراضي التركية.
يردّ أردوغان على النيات الأميركية «المشبوهة» حيال المحاولة الانقلابية الفاشلة على طموحات السلطان، بفتح أبواب التعاون العسكري بين الكرملين ودولة ما زالت تعتبر خاصرة الحلف الأطلسي المتهم بالزحف إلى أسوار الروس. ويظن الرئيس التركي أنه يردّ الصاع صاعين إلى ما يعتبره عنجهية لدى الاتحاد الأوروبي الذي تنفخ في قراراته رياح «كراهية» كلما طلبت أنقرة تسريع مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد.
ومن فوائد «الصفحة البيضاء» التي وعد السلطان بفتحها قبل توجّهه إلى سان بطرسبورغ، دماء جديدة ستُضَخ في شرايين الاقتصاد الروسي المنهك بالعقوبات الغربية (ملف أوكرانيا). وهكذا يساعد أردوغان مضيفه في القفز فوق جدار العقوبات، عبر طريق من حرير، فيما يعد بوتين بالإصرار على تمسّكه بوحدة سورية.
في السياق، لا تبدو مفارقة غريبة أن يجتمع تحت مظلة التعاون مع الروس، حليفهم النظام السوري وحُماته الإيرانيون وميليشياتهم، وخصومهم الأتراك فضلاً عن الإسرائيليين… وكل ذلك على ساحة الحرب السورية التي لا يمكن التكهُّن مبكراً برغبة الإدارة الأميركية الجديدة بعد انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر)، في حسم سريع لخيار أي صفقة تُخمِد نارها وبراكينها.
سمِع أردوغان في سان بطرسبورغ ما يرضيه في معارضة المحاولة الانقلابية، من دون أن يسأله القيصر عن عدد الموقوفين والذين سيحاكمون في إطار «تطهير» الدولة التركية. فلطالما اعتاد القيصر «مدوّنات السلوك» الغربية، وانتقاد نهجه مع معارضيه. الضيف ومضيفه مع الديموقراطية «صناعة محلية»، وأما في الملف السوري فما زالت أنقرة تأمل بضغوط روسية جدّية لإنهاء الحرب، من دون الإصرار على إقصاء الأسد في بداية العملية السياسية التي لم تُفتح عملياً أولى صفحاتها، لأن نظامه ما زال يراهن على سحق المعارضين المقاتلين.
القمة الروسية- التركية ترمّم آخر جدران المصالحة بين القيصر والسلطان، والتي تراقبها إيران باستياء صامت، بعدما اعتبرت أن المياه العكرة بين البحر الأسود والبوسفور تتيح فرصة لها لحرق أوراق تركيا في الحرب السورية.
والمعادلة إذا رست بعد تشرين الثاني على الرباعي الروسي- الأميركي- التركي- الإيراني في رسم خريطة الصفقة «السورية»، هل يبقى هامش لدور عربي في التسوية؟
حلب «معركة كبرى»، لكن الحسم كما يكرر الأميركيون ليس سريعاً ولا وشيكاً. فانتصار أي طرف ممنوع، ولائحة الضحايا مرشحة لأثمان باهظة.