فايز سارة
اتخذت موسكو منذ انطلاق الثورة في سوريا، قبل نحو ست سنوات، موقفًا مؤيدًا لنظام بشار الأسد، وطورت موقفها، ليشمل تقديم الدعم والمساندة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية، بما في ذلك استخدامها «الفيتو» في مجلس الأمن ضد أي قرارات من شأنها إدانة نظام الأسد، أو معاقبته على سياساته وممارساته، ثم انتقلت بموقفها إلى الانخراط المباشر في الصراع السوري أواخر العام 2015، عبر إرسال قوات جوية وبحرية وبرية وخبراء للمشاركة في الحرب، وعبر استخدام الطائرات والصواريخ في قيادة بعض المعارك على جبهات مختلفة من البلاد.
ورغم انخراط روسيا في الحرب السورية، وانضمامها إلى حلف نظام الأسد مع إيران والميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات، فإنها سعت للعب دور الوسيط من أجل حل سياسي في سوريا، يتوافق ويتقارب مع موقف النظام، الأمر الذي تفسره جملة سياساتها كما عملياتها العسكرية في سوريا، والتي كان آخرها إطلاق معركة حصار حلب بهدف خلق وقائع ميدانية وسياسية تعزز السير نحو حل سياسي، يتوافق مع الرؤية الروسية في إطار التحالف مع نظام الأسد.
غير أن معركة حلب، في مجرياتها ونتائجها الأولية، ذهبت في اتجاه مختلف عما كانت ترغب فيه موسكو وحلفها، من حيث استنهاض تنظيمات المعارضة المسلحة، وتقاربها البيني من جهة، ومع المعارضة السياسية من جهة أخرى، وإفشال مخطط حصار حلب، الأمر الذي وضع موسكو أمام حقيقة العجز عن حسم عسكري هناك، رغم كل ما تم من حشد نوعي وكمي لحلف النظام في معركة بدت نتائجها شبه مضمونة.
وكان من نتائج ما حدث أن صارت روسيا في موقفها السوري أمام واحد من خيارين؛ إما الاستمرار في المسار الحالي الذي لن يوصل إلا لاستمرار الصراع بين كر وفر دون حسم، وإما مزيد من الانخراط الروسي في الصراع السوري بجلب المزيد من القوات، خصوصًا القوات البرية، إلى سوريا، والاستخدام الواسع للأسلحة الروسية في الحرب دون أي نتائج مضمونة، مما يمثل كارثة روسية، قد لا تقل عما كان عليه التدخل السوفياتي في أفغانستان في سبعينات القرن الماضي، وقد كان من مقدمات انهيار الاتحاد السوفياتي. أمام الخيارين الروسيين الصعبين، لا يبدو أمام موسكو إلا تعديل موقفها وسياستها في القضية السورية، خصوصًا التعامل بمستوى أكثر من الجدية والمسؤولية مع جهود الحل السياسي في سوريا، وهو حل يراوح بين مستويين؛ أولهما الحل القائم على أساس «جنيف1» لعام 2012، الذي تطالب به المعارضة، وتؤيده قوى إقليمية ودولية، والثاني توافقات فيينا 2015، التي كان الروس بين صناعها، والتي لا تغفل «جنيف1»، مع تعديلات عليه.
لقد أفرزت معركة حلب في بعض نتائجها الحقائق السابقة، وهي حقائق تضاف إلى ما يفرزه التطور الحاصل في العلاقات الروسية – التركية، خاصة في ضوء قمة إردوغان – بوتين في موسكو، التي خصصت جلسة لبحث القضية السورية، بحضور كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين من الطرفين، وأسست بنية مشتركة لبحث القضية السورية، التي سيكون لها تأثيرات ليس على العلاقات البينية، بل على القضية ذاتها، عبر إيجاد قواسم مشتركة بين الجانبين في الموضوع السوري، والمشترك بينهما هو دعم مسار الحل السياسي.
وباستثناء عاملي نتائج معركة حلب وتطور العلاقات الروسية – التركية في ضغطهما على الروس لدفعهم نحو الحل السياسي، فلا بد من التوقف عند الوضع العسكري لنظام الأسد، وقد باتت قواته تعاني من انهيار شامل رغم كل المساعدات التي يقدمها له الحلفاء الروس والإيرانيون، وهذا ما كشفته وأكدته وقائع معركة حلب في عدم قدرة قوات النظام على الاحتفاظ بسيطرتها على مواقع عسكرية محصنة في منطقة الراموسة، وفيها خيرة ضباط ومدربي النظام في الكليات العسكرية، وصدرت تأكيدات من جانب حزب الله عن انهيار قوات الأسد في حلب، بعد أن منيت بخسائر كبيرة بشرية ومادية في تلك المعارك، وهو أمر يطرح على حلفاء النظام سؤالاً حول قوة حليفهم وقدرته على الإمساك بالوضع السوري في وقت تتواصل فيه ترديات وضعه في كل المجالات والمستويات.
خلاصة الأمر، إن روسيا أمام حقائق جديدة في المستويين السوري، سواء لجهة تعزيز قوة المعارضة، وتردي أوضاع النظام، أو في المستوى الإقليمي والدولي الذي يضغط كما هو حال الأوروبيين للانتقال السياسي في سوريا، مما يجعل موسكو لا تملك خيار الاستمرار في موقفها الراهن، ولا هي تستطيع تطوير مشاركتها في الحرب السورية لحد الغرق في وحولها، مما يفرض عليها المضي نحو خيار أكثر موضوعية وتوافقًا مع مصالحها، وتجاوبًا مع مطالب المجتمع الدولي الذي يعتقد قسم كبير منه أن روسيا يمكن أن تساهم جديًا في الحل السياسي للقضية السورية.