فايز سارة
ليس من باب المبالغة القول إن روسيا صارت أمام خيارين أحلاهما مر في سوريا. والسبب الرئيس لما صارت إليه الحالة الروسية يكمن في ما نتج عن معركة حلب، وكسر الحصار عن الأخيرة، والذي كان مطلباً وإمكانية مرتقبة لحلف نظام الأسد وفي مقدمتهم روسيا، وقد راهنت الأخيرة عبر تدخلها الجوي الكثيف وتحشيد القوات البرية للنظام وإيران والمليشيات الشيعية على حصار حلب تمهيداً لاقتحامها، الأمر الذي سيغير واقع التوازنات السياسية والميدانية على نحو واضح في القضية السورية.
واذا كانت نتائج معركة حلب قد ألقت ظلالها السوداء على كل أطراف حلف النظام، فإن تلك الظلال بالنسبة للطرف الروسي كانت أشد قسوة. ذلك أن نظام الأسد وايران والمليشيات الشيعية، واجهت حالة الفشل من هجماتها في سوريا مرات كثيرة، ولن يعيبها أن يحصل ذلك مرة او مرات جديدة، وهي لن تعدم تبرير ذلك الفشل من خلال الأكاذيب والادعاءات، التي مازالت تتكرر على مدار خمس سنوات ماضية، اما بالنسبة لروسيا، فالامر مختلف على نحو كلي. فروسيا قوة عظمى، ولديها طائرات وصواريخ بين الاحدث في العالم، وتملك قواتها الجوية والفضائية قدرة عالية على شن هجمات في سوريا ومن خارجها، وتتوفر لها سيطرة شبه مطلقة في السماء السورية، وتحوز على “تفهم” أو تواطؤ أميركي لما تقوم به في سوريا من عمليات، تزعم موسكو، انها تستهدف “الإرهابيين” رغم شمول هجمات طائراتها وطائرات النظام لمواقع تشكيلات مسلحة، تقع تحت الرعاية الأميركية – البريطانية في الفترة الأخيرة.
الأهم مما سبق كله، ان التقديرات الروسية لعملية حصار حلب، واقتحامها تالياً، كانت شبه مضمونة النجاح في ضوء “المعرفة” الروسية لما هو عليه الوضع الميداني في حلب وحولها حيث الضعف والتشظي الواضح لتشكيلات المعارضة المسلحة، وقلة امكانياتها المادية والبشرية، وكلة مترافقاً ببيئة سياسية ضعيفة تحيط بالقضية السورية في المستويين الإقليمي والدولي، حيث الحلفاء الأقرب للمعارضة مشغولين بأوضاع داخلية وإقليمية ساخنة، كما هو حال تركيا والمملكة العربية السعودية، وهناك حالة انسحاب أوروبي، وتواطؤ أميركي مع السياسة الروسية في القضية السورية.
أمام النتيجة، لم يعد أمام الروس إلا واحد من خيارين، الأول هو تصعيد روسي فيما يقوم به سلاح الجو من عمليات ضد تشكيلات المعارضة المسلحة وضد الحواضن الاجتماعية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب وريفها وادلب وريفها بشكل خاص، والأمر في هذا ليس سياسة انتقامية فقط، بل مضافاً اليها هدفين آخرين، أولهما تدمير مايمكن تدميره من قوات المعارضة المسلحة وأسلحتها ومواقع انتشارها، والهدف الثاني، تأليب الحاضنة الاجتماعية في مناطق سيطرة المعارضة وايقاع الحجم الأكبر من الخسائر البشرية والمادية في صفوفها.
اما الخيار الثاني، فهو تحرك سياسي روسي في المستويين الإقليمي والدولي، وقد شمل زيارة نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف الى قطر، حيث التقى مسؤولين فيها، كما التقى هناك معاذ الخطيب الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني ورئيس حركة سوريا الام في خطوة تمثل تحركاً روسياً نحو بعض من تشكيلات المعارضة السورية، والتي تعتبرها موسكو سهلة وممكنة، رغم أنها تشكيلات هامشية وضعيفة، وليس لها قوة سياسية ولا عسكرية في سوريا.
واكتسب التحرك السياسي الروسي أهمية أكبر في ضوء زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو ومباحثاته مع الرئيس بوتين، التي تناولت الملف السوري، وقرر الطرفان في ختامها، وضع صيغة موحدة للتعامل معه، وتبع ذلك لقاءات تركيا –إيرانية، شملت تفاهمات بين الطرفين يمكن أن تتطور أكثر في زيارة مرتقبة لرجب طيب أردوغان إلى طهران.
موسكو تعمل في ظل الخيارين الاثنين على اختلافهما وتناقضهما. من جهة تكثف هجماتها الجوية وتستخدم مزيد من الأسلحة الفتاكة في تلك الهجمات، وتوسع دائرة هجماتها في سوريا باستخدام طائراتها المتمركزة بقواعد موجودة في ايران، وهي تستمر في تحركها السياسي الذي سيشمل لقاءاً روسياً-أميركياً على مستوى وزيري الخارجية في الأيام القليلة القادمة.
الحالة الروسية في القضية السورية، حالة اختبار راهن للمفاضلة الروسية بين انغماس روسي أكثر في القضية السورية، أو توجه روسي أكثر في مسار السعي لحل سياسي للقضية، وموسكو اذا اخذت خيارها الأول، فانها ستذهب الى مزيد من التورط في الحرب السورية، مما يزيد الأخيرة تعقيداً، ويحمل موسكو مزيد من الأعباء، ام اذا اخذت الخيار الثاني، فسوف تكون مضطرة الى اجراء تغييرات في شكل ومحتوى مشاركتها في الجهود الدولية الخاصة بالحل السوري. وفي كل الاحول، سيكون لدى موسكو بعض الوقت لاتخاذ قرارها الذي سيكون مؤلما في الحالتين.