دفعت تركيا بمزيد من الدبابات إلى شمال سوريا يوم الخميس وطالبت المقاتلين الأكراد هناك بالانسحاب من المنطقة خلال أسبوع في محاولة لتأمين المنطقة الحدودية وطرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في أول توغل كبير لها في جارتها.
ودخلت قوات تركية خاصة تدعمها الدبابات والطائرات إلى جرابلس يوم الأربعاء أحد آخر معاقل الدولة الإسلامية على الحدود التركية-السورية في هجوم تدعمه الولايات المتحدة. وسمع دوي إطلاق النار وانفجارات في التلال المحيطة بالمنطقة يوم الخميس.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ومسؤولون حكوميون كبار إن هدف “عملية درع الفرات” هو منع وحدات حماية الشعب الكردية السورية من السيطرة على مزيد من الأراضي من خلال ملء الفراغ الذي يخلفه خروج الدولة الإسلامية قدر استهداف العملية طرد عناصر التنظيم المتشدد نفسه.
وطالبت تركيا – وهي عضو في حلف شمال الأطلسي وصاحبة ثاني أكبر قوات مسلحة فيه – بانسحاب وحدات حماية الشعب إلى الضفة الشرقية من نهر الفرات خلال أسبوع. وكانت القوات الكردية قد تحركت غرب الفرات في وقت سابق من هذا الشهر في إطار عملية مدعومة من الولايات المتحدة لاستعادة السيطرة على مدينة منبج من الدولة الإسلامية وهي العملية التي اكتملت.
وترى أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية تهديدا لها بسبب صلاتها الوثيقة بالمسلحين الأكراد الذين حاربوها على مدى ثلاثة عقود على أراضيها. كانت المكاسب التي حققتها الوحدات في شمال سوريا أثارت قلق تركيا منذ بدء الحرب الأهلية في 2011 خشية أن تمتد السيطرة الكردية عبر الحدود وتغذي طموحات المسلحين الأكراد داخل تركيا.
ووضع ذلك تركيا في موقف مخالف لموقف واشنطن التي ترى الوحدات كحليف لها في الحرب على الدولة الإسلامية. والوحدات أحد أقوى الجماعات المسلحة في سوريا وتعد العمود الفقري لتحالف قوات سوريا الديمقراطية المدعوم من الولايات المتحدة والذي تشكل في أكتوبر تشرين الأول لمحاربة الدولة الإسلامية.
وقال وزير الدفاع التركي فكري إيشق إن منع حزب الاتحاد الديمقراطي – الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب الكردية – من توحيد الأقاليم الكردية شرقي جرابلس مع تلك الموجودة في الغرب هو أولوية لبلاده.
وقال في مقابلة مع قناة (إن.تي.في) التركية “يجب القضاء بالكامل على الدولة الإسلامية هذا له أهمية مطلقة. لكن ذلك ليس كافيا بالنسبة لنا… حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية لا يجب أن تحل محل الدولة الإسلامية هناك.”
وأضاف “الحلم الأكبر لحزب الاتحاد الديمقراطي هو توحيد الأقاليم الغربية والشرقية. لا يمكننا أن نترك ذلك يحدث.”
* نهر الفرات
صرحت مصادر بوزارة الخارجية التركية بأن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أبلغ نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو هاتفيا يوم الخميس بأن وحدات حماية الشعب الكردية السورية تتراجع إلى شرق نهر الفرات كما طلبت تركيا.
وقال متحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية إن قوات سوريا الديمقراطية انسحبت عبر نهر الفرات لكنها قامت بذلك “للاستعداد لعملية التحرير في النهاية” للرقة المعقل الرئيسي للدولة الإسلامية في شمال سوريا.
وقال إيشق إن الانسحاب لم يكتمل بعد وإن واشنطن أعطتهم تطمينات بأن ذلك سيحدث الأسبوع المقبل.
وقال “نراقب ذلك عن كثب… إذا لم ينسحب حزب الاتحاد الديمقراطي إلى شرق نهر الفرات فسيكون لدينا الحق في فعل كل ما بوسعنا حيال ذلك.”
وخلال زيارة إلى تركيا يوم الأربعاء حاول نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن تهدئة المخاوف التركية بشأن المكاسب الكردية على الأرض في سوريا.
وقال بايدن إن سوريا يجب أن تبقى موحدة ولا يجب أن يكون هناك كيان كردي منفصل في شمال سوريا. وأضاف بايدن أن المقاتلين الأكراد في سوريا لن يتلقوا دعما أمريكيا إذا لم ينسحبوا إلى شرق نهر الفرات كما وعدوا.
والهجوم هو أول عملية عسكرية تركية كبرى منذ أن هزت محاولة انقلاب فاشلة في 15 يوليو تموز الثقة في قدرة تركيا على تصعيد حملتها ضد الدولة الإسلامية. كما يأتي الهجوم بعد أربعة أيام من تفجير انتحاري يشتبه في صلاته بالجماعة أسفر عن مقتل 54 شخصا في حفل زفاف في مدينة غازي عنتاب جنوب شرق تركيا.
كما يأتي الهجوم في فترة تعد اختبارا للعلاقات التركية الأمريكية. ويريد إردوغان من الولايات المتحدة تسليم فتح الله كولن رجل الدين التركي الذي يعيش في منفى اختياري في ولاية بنسلفانيا الأمريكية منذ 17 عاما ويلقي عليه اللوم في تدبير محاولة الانقلاب الشهر الماضي.
وتقول واشنطن إنها تحتاج لأدلة واضحة على تورط كولن وأن الأمر يرجع للمحاكم الأمريكية وهو موقف أثار ردود فعل مناهضة للولايات المتحدة في وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة. وينفي كولن أي دور له في محالة الانقلاب.
* تقدم للمعارضة
دوى صوت إطلاق النيران القادم من تلة على الجانب التركي من الحدود يطل على جرابلس في وقت مبكر من صباح الخميس وتصاعد عمود من الدخان الأسود فوق المدينة.
وذكر مسؤول تركي كبير أن هناك الآن أكثر من 20 دبابة تركية داخل سوريا وأنه سيتم إرسال دبابات إضافية ومعدات تشييد إن تطلب الأمر. ورأى شاهد من رويترز تسع دبابات تركية على الأقل تدخل شمال سوريا يوم الخميس وعشر دبابات أخرى تنتظر خارج نقطة حدودية عسكرية على الجانب التركي.
وقال المسؤول “نحتاج معدات التشييد لفتح طرق… وربما نحتاج المزيد في الأيام القادمة. لدينا أيضا حاملات جند مدرعة يمكن استخدامها على الجانب السوري. وقد نستخدمها حسب الحاجة.”
وقال إردوغان يوم الأربعاء إن الدولة الإسلامية طُردت من جرابلس التي يسيطر عليها الآن مقاتلو المعارضة السورية من العرب والتركمان.
وكتب إبراهيم كالين المتحدث باسم إردوغان في تغريدة على تويتر “أسطورة أن وحدات حماية الشعب الكردية هي القوة الوحيدة الفاعلة في قتال الدولة الإسلامية انهارت” مما يعكس خيبة أمل السلطات التركية من التعاون الوثيق بين واشنطن والقوات الكردية.
وقال صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري في تغريدة على موقع تويتر يوم الأربعاء “تركيا ستخسر في مستنقع سوريا مثل الدولة الإسلامية.” وقال ريدور خليل المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية إن التدخل العسكري التركي في سوريا “اعتداء سافر على الشؤون الداخلية السورية.”
وقالت مصادر في المعارضة السورية والمرصد السوري لحقوق الإنسان يوم الخميس إن مقاتلي المعارضة السورية الذين انتزعوا السيطرة على جرابلس من الدولة الإسلامية في عملية مدعومة من تركيا تقدموا لمسافة تصل إلى عشرة كيلومترات جنوبي المدينة الحدودية.
وقال المرصد السوري إن القوات المدعومة من الأكراد والتي تعارضها أنقرة سيطرت في تلك الأثناء على ما يصل إلى ثمانية كيلومترات من الأرض في اتجاه الشمال فيما بدا أنها خطوة استباقية لتقدم مقاتلي المعارضة
رويترز