سمير العيطة
هل ينبغي أكثر مما يجري من أحداث كي يقتنع السوريّوّن أنّ الحرب القائمة منذ صيف 2012 هي صراع إقليميّ دوليّ على بلادهم؟ توازنات هذا الصراع ومتغيّراته ليست مرهونة بأهداف وطموحات أي قوّة سوريّة٬ بل بمواقف تعيشها الدول المتصارعة، البعيدة منها أو المجاورة.
أهمّ التحوّلات في الصراع الإقليميّ الدائر عمليّة القضم البطيء، ولكن المتصاعد٬ لمناطق نفوذ «الدولة الإسلاميّة» في العراق واقتراب أفق خروجها من الموصل، وما يعني عمليّاً نهايتها في سوريا بعد أمدٍ قصير. وجميع اللاعبين الإقليميين والدوليين يصوغون مواقفهم والدعم الذي يوجهونه لهذا الفصيل أو ذاك، في العراق كما في سوريا، انطلاقاً من أفق ما بعد «داعش».
من اللافت أنّ تركيا لم تزجّ بجيشها مباشرةً في الحرب السوريّة إلاّ الآن. كان صراعها في مراحلٍ ماضيّة مع إيران، ولكن على عكس الأخيرة التي زجّت ببعض قوّاتها في المعارك، كانت فصائل محسوبة على المعارضة السوريّة هي فقط التي تقاتل وتقتل. ومن الأكثر غرابةً أنّ الصراع التركي – الإيراني في سوريا وعلى سوريا لم يؤّثّر في أيّ مرحلة على العلاقات الاقتصاديّة، التجاريّة والاستثماريّة، القويّة دائماً بين البلدين.
اليوم تغيّر الوضع ودخلت تركيا بجيشها إلى سوريا صراحةً بعدما أخذت العلاقة بين البلدين درجة أكبر من الحميميّة على خلفيّة وقوف إيران منذ اللحظات الأولى ضدّ محاولة الانقلاب الفاشلة. وإيران لم تندّد بالتدخّل العسكري التركي. ردّ الفعل الروسيّ كان أيضاً خجولاً وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة. بحيث يُمكن طرح السؤال عمّا إذا كانت نهايات مآلات التركي ترمي إلى إقامة مربّع غرب الفرات خالٍ من «داعش» و «قوّات سوريا الديموقراطية» على السواء أم التحضير لما بعد «داعش» في الرقّة؟
في الواقع، لا يُمكن الخلاص من «داعش» في سوريا إلاّ عبر انتصار توافقٍ دوليّ جديد٬ يُظهر أنّ جميع المتصارعين الإقليميّين والدوليّين حقّقوا إنجازاً تاريخيّاً. لم تُدرِك السلطة السوريّة أوليّاً تلك المعادلة حين أطلقت الجيش السوريّ وحلفاءه باتجاه الطبقة والرقّة. لكنّها فهمتها بعد ذلك وتراجعت نحو صراعاتها «التقليديّة». وطمُحت «قوّات الحماية الكرديّة» أن تكون بديل «داعش» في الشمال السوري تحت غطاء «قوّات سوريا الديموقراطيّة» والتحالف الغربي. لكنّ «حزب الاتحاد الديموقراطي» لم ينتبه أنّ الدول الغربية التي أصرّت على عدم تواجده في مفاوضات جنيف هي التي أفرغت المناطق التي يهيمن عليها من بعض مجموعاتها السكّانية.
كذلك لم تعِ فصائل المعارضة أنّ أفق نهاية «داعش» سيزيل التخوّف الدوليّ من انضمام المقاتلين الأكثر تطرّفاً لها. ومن هنا تأتي محاولة «فتح الشام» («جبهة النصرة») لتوحيد جميع الفصائل المقاتلة في الشمال السوريّ في جيشٍ واحد بعد زخم معركة حلب الأخيرة، مع تهديد غير المنضمّين باعتبارهم «أعداءً». من اللافت هنا أيضاً أنّ عمليّة «درع الفرات» التركيّة لم تشمل «فتح الشام» ولا «أحرار الشام».
هذا كلّه لا يُلغي بسالة الجيش السوريّ والعشائر في قتالهم ضدّ «داعش» في دير الزور وغيرها، ولا يلغي بسالة «قوّات الحماية الشعبيّة» في قتالها في عين العرب/ كوباني ومنبج وغيرهما. ولا بسالة كلّ من قاتل دفاعاً عن أرضه وأهله من حوران إلى حلب. لكن السؤال الكبير يبقى دوماً هو: هل كلّ هذه التضحيات من أجل مشروعٍ ضيّق واستبداديّ الأفق أم من أجل حريّة سوريا وكلّ السوريين؟
هذا السؤال وما يتفرّع منه من أسئلة. هل يُقاتل الجيش السوريّ من أجل الأسد وبقاء استبداده؟ وهل تقاتل قوّات الحماية الشعبيّة من أجل مشروع «حزب الاتحاد الديموقراطي» وحده؟ وهل تقاتل فصائل المعارضة من أجل الجولاني والمحيسنيّ أو حتّى «الائتلاف» أو غيره؟