الياس حرفوش
هل كانت معركة تحرير منبج من تنظيم «داعش» هي الفخ الذي وقعت فيه التنظيمات الكردية المقاتلة في سورية، والذي دفع القوى التي كان صعباً أن تأتلف على شيء في مواقفها من الأزمة السورية، الى الائتلاف ضد الأكراد؟
منبج فتحت الطريق الى معركة جرابلس. ومثلما كانت معركة منبج كردية بامتياز، بغطاء أميركي، وبقوات كردية في معظمها، من «سورية الديموقراطية»، كانت معركة جرابلس معركة عربية بامتياز، وبغطاء أميركي أيضاً، وبقوات من المعارضة السورية، في مقدمها «الجيش السوري الحر»، الذي حظي علناً هذه المرة بدعم تركي، وعلى لسان رجب طيب أردوغان نفسه. حصل هذا كله بعدما رفعت الولايات المتحدة الغطاء عن حزب «الاتحاد الديموقراطي» و»وحدات حماية الشعب»، ودفعتهما الى الانسحاب الى ما وراء شرق نهر الفرات، في تجاوب كامل مع الرغبات والمخاوف التركية من الكيان الكردي على حدودها الجنوبية، الذي تخشى أنقرة أن يكون صالحاً لنقل العدوى الى ما وراء الحدود.
ليست المرة الأولى التي يطلع فيها الأكراد «من المولد من دون حمّص»، كما يقول المثل العربي، الذي لا بد أن له ترجمة كردية. كانوا في طليعة من حارب «داعش»، بدءاً من كوباني، التي يفضل العرب أن يسمّوها «عين العرب». كان ذلك في وقت كان «داعش» من فبركة النظام السوري وإنتاجه، ولم يكن كثر مهتمين باقتلاعه من المواقع التي كان يتحصّن فيها ولا يزال، وفي مقدمها بالطبع «العاصمتان»، الرقة والموصل. كانت إدارة أوباما تعتبر الأكراد الحصن المنيع في وجه هذا التنظيم، وكان يمكن أن يُسمح لهم بالاستمرار في القيام بهذه الوظيفة المفيدة للجميع، لولا شعور دول الإقليم ومعها كلّ من الولايات المتحدة وروسيا، بأن الزرع الكردي في الشمال السوري لا بد أن ينتهي الى موسم حصاد، على صورة حكم ذاتي في أبسط الأحوال، أو استقلال كامل، في أكثر الأحوال مبالغة. وهذا ما أيقظ أردوغان، الذي لم تقلقه من قبل معركة كوباني، ولا أقلقته مواجهات الحسكة بين الأكراد والجيش السوري والتقدم الكردي في تلك المنطقة، غير أنه بعد انتصار الأكراد على «داعش» في منبج وتقدّمهم في اتجاه جرابلس، وجد أردوغان نفسه مضطراً الى الدخول مباشرة في المعركة مع التنظيم الإرهابي، فقد اعتبر أن هذه المواجهة هي الثمن الذي لا بد من دفعه لتحجيم الأحلام الكردية داخل سورية، وبالتبعية داخل تركيا كذلك.
من كان يتوقع أنه في غفلة عن الأكراد، يمكن أن يأتلف كلّ من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا ونظام الأسد، وسط صمت عربي، بحجة مواجهة «داعش»، كأن الأكراد هم الذين كانوا يعيقون هذه المعركة، مع أن الإشادات كانت تنهال عليهم في السابق لأنهم حرروا مدناً من التنظيم وعملوا على إعادة أهلها إليها، بل إنهم في معارك سنجار التي وقع فيها الإيزيديون، أطفالاً ونساء ورجالاً، ضحايا التنظيم الإرهابي، كانوا هم الذين فتحوا بيوتهم لمن تمكنوا من النجاة من تلك الجرائم والأهوال.
فتح الأكراد طريق المصالحة بين أنقرة وموسكو، كما سهّلوا قبول رجب طيب أردوغان بإقامة لبشار الأسد، قد تطول أو تقصر، في قصر المهاجرين. وفتحوا طريق التفاهم الروسي – الأميركي على تسوية في سورية، ستكون على حساب أحلامهم، كيفما حصلت. وهذا كلّه لأن إعادة رسم الخرائط في المنطقة قد تشمل تفكيكاً لمكوناتها الداخلية، وكيانات ذاتية على قواعد طائفية أو مذهبية، لكن من المستبعد أن يتيح هذا التفكيك احتمال كيان كردي على أية صورة. فهذا البعبع ما زال يخيف دول الإقليم. وباستثناء الظروف الخاصة للتجربة الكردية في شمال العراق، يصعب تصوّر ما يماثلها في الظروف الحاضرة، في كل من سورية وإيران، ولا بالتأكيد في تركيا. على هذه النقطة يلتقي الجميع على التضحية بالأكراد، بل والتآمر عليهم إذا اقتضى الأمر.