معركة حلب الديبلوماسية تصطدم بـ «فيتو» في مجلس الأمن

نقلت الدول الكبرى معركة المواجهة في حلب إلى قاعة مجلس الأمن، وأعدّت أدواتها الديبلوماسية أمس، لاستخدام سلاح النقض (فيتو) بعدما وصلت المشاورات حول مشروع قرار غربي اقترحته فرنسا إلى طريق مسدود مع روسيا. وتزامن هذا التحرك في المجلس مع تقدّم جديد للقوات النظامية داخل مدينة حلب، إذ أفاد ناشطون بأنها سيطرت على منطقة العويجة في شمالها وعلى منطقة مناشر البريج في ضواحيها الشمالية الشرقية. ويضيّق هذا التقدم من محورين الخناق أكثر على أحياء حلب الشرقية، وسط معلومات عن نزوح بعض سكانها المدنيين نحو الأحياء الغربية الخاضعة لسيطرة الحكومة.

 

واستغلت القوات النظامية أيضاً اقتتالاً واسعاً بين فصيلي «حركة أحرار الشام» الإسلامية و «جند الأقصى» لشن هجوم معاكس في ريف حماة الشمالي، ونجحت في استعادة قرى عدة كانت فصائل معارضة سيطرت عليها في هجومها الواسع الذي بدأ قبل أسابيع. وأظهرت مشاهد مصوّرة وزّعها ناشطون عدداً كبيراً من عناصر «أحرار الشام» تم قتلهم برصاص في الرأس في ما يشبه عملية إعدام جماعية على أيدي فصيل «جند الأقصى» المتهم بمحاباة تنظيم «داعش» والدفاع عنه. وأعلنت كبريات الجماعات السورية المسلحة، مثل «جيش الإسلام» و «الجبهة الشامية» و «حركة نور الدين الزنكي» وفصائل عدة أخرى، وقوفها إلى جانب «أحرار الشام»، متهمة «جند الأقصى» بالغلو والبغي والإجرام، في حين نشرت «جبهة فتح الشام» («النصرة» سابقاً) عناصرها للفصل بين الطرفين في مناطق بمحافظة إدلب.

 

وفي نيويورك، نقلت الدول الكبرى معركة المواجهة في حلب إلى قاعة مجلس الأمن وأعدّت ديبلوماسييها لاستخدام سلاح الفيتو بعدما وصلت المشاورات حول مشروع قرار غربي اقترحته فرنسا إلى طريق مسدود مع روسيا، علماً أن الرئيس فرانسوا هولاند حذّر قبل التصويت من استخدام الفيتو ضد مشروع بلاده.

 

وكان منتظراً وفق ما دلت عليه مقدمات جلسة مجلس الأمن التي انعقدت مساء أمس، أن تُسقط روسيا مشروع القرار الفرنسي، وتطرح بدورها مشروع قرار آخر على التصويت في الجلسة نفسها، بحيث تدفع الدول الغربية إلى استخدام الفيتو لإسقاطه أيضاً. لكن ديبلوماسيين في نيويورك استبعدوا أن يحصل مشروع القرار الروسي على غالبية الأصوات التسعة الكافية لتبنيه، ما سيعفي الدول الغربية الدائمة العضوية، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، من عناء استخدام الفيتو ضده، لأنه سيسقط حكماً في حال عدم حصوله على الغالبية المطلوبة. وتوقع ديبلوماسيون أن يحصل المشروع الروسي على تأييد ٤ أصوات مؤكدة، هي إلى جانب روسيا، الصين وأنغولا وفنزويلا، وأن يمتنع أعضاء آخرون عن التصويت. وطرحت هذه الاحتمالات إمكانية أن ترجئ روسيا طرح مشروع قرارها على التصويت في حال وجدت أنه لن يحصل على دعم غالبية الأصوات التسعة في المجلس المؤلف من ١٥ عضواً.

 

وقال ديبلوماسي بريطاني إن هذا التكتيك الروسي بطرح مشروع قرار مضاد «هو محاولة ساخرة لتحييد الأنظار عن حملة القصف التي تشنها روسيا على حلب». ووصف ديبلوماسي آخر التكتيك الروسي بأنه «وسيلة لسحب الذريعة من الدول الغربية بأن روسيا تعطل قدرة مجلس الأمن على التحرك، بحيث تلعب الورقة ذاتها ضد هذه الدول وتدفعها إلى استخدام الفيتو أيضاً». كما قال ديبلوماسي آخر إن مشروع القرار الروسي يتعامل مع «الاتفاق الروسي- الأميركي على وقف الأعمال القتالية بوصفه مرجعية لا تزال سارية المفعول، وهو ما لا يعكس الواقع».

 

وكان منتظراً أن يحضر وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إرولت الجلسة بعدما وصل الى نيويورك مساء الجمعة من واشنطن، حيث أعلن مع نظيره الأميركي جون كيري طرح مشروع القرار على التصويت.

 

ونص مشروع القرار الفرنسي، الذي شاركت إسبانيا في صوغه، على وقف كل الضربات الجوية على حلب، من دون أن يميز بين القوات الجوية الروسية وتلك التابعة للحكومة السورية، وعلى التوصل سريعاً إلى هدنة في المدينة، وإدخال المساعدات الإنسانية إليها، ونشر مراقبين للهدنة. وعلى دعوة «كل الأطراف في النزاع السوري، وخصوصاً السلطات السورية، إلى التقيد فوراً بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي لا سيما في شأن المناطق المحاصرة، والتطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمن في هذا الشأن، ويشير إلى أن هذه الانتهاكات قد تعد جرائم حرب وضد الإنسانية التي لن تمر من دون محاسبة». كما «دعا الأطراف إلى تطبيق وقف الأعمال القتالية، بما فيها وقف القصف الجوي والسماح الفوري بدخول المساعدات» إلى المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها.

 

وحض روسيا والولايات المتحدة، رئيسي مجموعة الدعم الدولية لسورية، على «تطبيق وقف الأعمال القتالية ابتداء من حلب، وإنهاء القتال في المدينة» في أسرع وقت. وشدد على «الحاجة الى نشر آلية مراقبة ميدانية لاحترام وقف الأعمال القتالية بإشراف الأمم المتحدة»، وطلب من الأمين العام أن «يقدم خيارات المراقبة خلال ٥ أيام من تبني القرار، مع توجه نحو النشر السريع لها، ويشجع الدول، لا سيما أعضاء مجموعة الدعم الدولية لسورية على المشاركة في المراقبة».

 

في المقابل، دعا مشروع القرار الروسي «كل الأطراف في النزاع السوري إلى التقيد الفوري بالقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن» المعنية بالأزمة السورية، وأشار الى «الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة» الموقع في ٩ أيلول (سبتمبر) الماضي حول وقف الأعمال القتالية، داعياً «كل الأطراف إلى التقيد به». وحض على «التطبيق الفوري لوقف الأعمال القتالية، خصوصاً في حلب، وبحث أي خرق للاتفاق من أي طرف» في مجموعة العمل المشتركة مع الولايات المتحدة في جنيف. وشدد على «الحاجة إلى فصل جبهة النصرة عن بقية فصائل المعارضة، باعتبارها أولوية أساسية». ورحب بمبادرة المبعوث الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا التي تنص على سحب عناصر «فتح الشام» والسلاح الثقيل من حلب الشرقية ونشر وجود دولي في المدينة.

 

الحياة

Comments (0)
Add Comment