كمال خلف – رأي اليوم
هل يمكن أن نصدق أن اجتماع لوزان السبت 15 أكتوبر كان بلا نتائج؟ هل كان كما قال بعض المتحدثين الرسميين للدول المعنية نوعا من تبادل الأفكار وكل من إلاطراف أدلى برأيه ثم عاد إلى بلاده؟ لا نعتقد بهذا ولننظر إلى الأيام الاربع فقط الماضية التي عقبت الاجتماع ماذا حدث؟ إنها أحداث تعطينا الدليل أن ما لم يقله المجتمعون علنا اتفقوا عليه سرا. ولنبدأ من سوريا فبعد انهيار اتفاقات جون كيري ولافروف اتجه الروس وحلفاؤهم للحسم في حلب ووصلت الأوضاع إلى أعلى مستوى من التوتر والتهديد والوعيد بالخطط البديلة الاحادية، ولكن بعد اجتماع لوزان مباشرة ظهرت ترتيبات ميدانية من الجانب الروسي دون أن تنتج عن لقاءات مع كيري أو أي طرف آخر سوى لقاء لوزان، إذ أعلن الروس عن هدنة الخميس المقبل تهدف لإخراج مسلحي جبهة النصرة من حلب الشرقية وادخال المساعدات الانسانية الى الاحياء المحاصرة، واوقفوا القصف الجوي اعتبارا من يوم أمس الثلاثاء عن حلب، ثم أعلنوا عن إرسال وفد عسكري إلى جنيف للقاء نظرائه الأمريكيين للبحث في الآليات التقنية لفصل الفصائل الإرهابية عن المعتدلة وترتيب الوضع النهائي لمدينة حلب، متى تم الاتفاق على كل هذا؟ إنها كما نراها إحدى نتائج طاولة اجتماع لوزان الذي يبدو أنه أهم مما ظهر من منه إلى العلن.
استضافت القاهرة علنا اللواء علي مملوك اعلى شخصية أمنية سورية بعد يومين من اجتماع لوزان وإذ وضعه البعض أي اللقاء بمملوك في إطار التباعد الحاصل بين الرياض والقاهرة وردة فعل مصرية على إيقاف الرياض شحنات النفط الى مصر، إلا أنني أضعه في إطار آخر واذهب إلى أن القاهرة استضافت اجتماعا سعوديا سوريا سريا جرى التوافق عليه إجماعا بين أطراف لوزان بهدف قد يكون شبيها بالاجتماعات التي رعتها موسكو بين أنقرة ودمشق وانتجت ما نشهده من اتفاقات متتالية بين الحكومة السورية والمسلحين في أطراف دمشق خرج بموجبها مئات المسلحين من ريف دمشق وحمص إلى ادلب، إذا كان هذا هدف الاجتماع السوري السعودي فعلا فإن المؤشر الدال عليه هو بدء الحديث عن اتفاقات محلية في الغوطة الشرقية لدمشق حيث يقبع جيش الإسلام المقرب من السعودية. طاولة لوزان اذا لم تكن حدثا من دون لون او طعم أو رائحة كما كتب البعض عنه وهم محقون ظاهريا لأن ما قاله المجتمعون بعد اللقاء لم يكن فيه جديد سوى استمرار التشاور.
وهل ثمة صدفة اغرب من تزامن الهدنة في سوريا مع هدنة معلنة في اليمن الخميس المقبل، حيث أعلنت الأمم المتحدة عن وقف لإطلاق النار في كافة أنحاء اليمن لمدة 72 ساعة، وهي قابلة للتجديد على أمل تسوية الأزمة اليمنية. والتزام كافة الأطراف بها والسماح بإدخال المساعدات لكافة المناطق كما ستدخل المساعدات بذات التوقيت الى أحياء حلب. متى تم التوافق على هذه الهدنة التي سمعنا بها الاثنين الماضي؟ إنها بلا شك من نتائج لوزان الذي انعقد قبل يومين من إعلان هدنة اليمن. مثير للانتباه كذلك إعلان وزير الخارجية السعودي عادل جبير الاثنين الماضي عن أمل السعودية بإنهاء الأعمال القتالية في اليمن اذا التزم الطرف الآخر بذلك.
اما في العراق فقد انطلقت عملية تحرير الموصل وان كان التحضير لها واطلاقها لا علاقة له باجتماع لوزان، إلا أن الأمر العالق كان و هو ما تم بحثه في لوزان يتعلق بدور القوات التركية في العملية العسكرية لتحرير الموصل وتواجدها على أرض العراق، ويبدو أن هذا الأمر قد تم التوافق عليه إذ لم تشارك القوات التركية في بعشيقة حتى الآن في معركة تحرير الموصل، بينما توجه وفد سياسي تركي إلى بغداد لبحث وجود القوات التركية في العراق، وهو حسب ما فهمنا من شخصية سياسية عراقية بارزة سيبحث ابرام اتفاق حول شرعية وجود هذه القوات وعددها ومهامها، وما يهم الجانب العراقي هو تثبيت جدول زمني واضح يحدد انتهاء مهمة هذه القوات في العراق حسب قول المصدر.
انطلاقا من كل ما ذكرناه آنفا فإننا نجد أنفسنا أمام تفاهمات جدية جرت بين الأطراف التي اجتمعت في لوزان، وأن كل ما لم يدل به الحاضرون عن نتائج هذا اللقاء نشاهده ماثلا أمامنا نراه بالعين المجردة بعد أيام فقط من ذاك الاجتماع الذي بدا في حينها انه لم ينجح ولم يفشل لكنه أوقف بشكل ملموس حالة التوتر الدولي التي سادت قبله. أعتقد أن الأطراف المشاركة نفذت ما عليها بحده الأدنى ، وأن هذه الإجراءات ما هي إلا تفاهمات اولية إسعافية يحتاجها الطرفان الروسي والأمريكي لإزالة الشحن لذي وصل إلى حدود الانفجار في عموم المنطقة، وما علينا ألا انتظار ما هي الخطوة أو الخطوات التالية التي تحتاج إلى طاولة جديدة شبيهه بلوزان في الأسابيع المقبلة.