ظهرت في التاريخ نساء لعبن دور الرجال في الحروب واشتهرن ببطولات عجيبة. اشتهرت منهن في تاريخنا خولة بنت الأزور التي يقال إنها امتطت جوادها وشاركت في فتح الشام وسجلت بطولات عجيبة. وهناك في التاريخ الفرنسي مأثرة جان دارك التي لبست دروع الرجال وقادت الجيش في محاربة الإنجليز وتحرير بلادها. تمكن الإنجليز من اعتقالها واتهامها بالسحر وحرقها كساحرة. ويعتز الروس ببطولات امرأة شنت حرب عصابات ضد الألمان في الحرب العالمية الثانية وأنعموا عليها بوسام لينين.
بيد أن كل هؤلاء الفتيات انضممن للجيش كإناث وحاربن بهذه الصفة. لكن كرستين ولش الآيرلندية انضمت للجيش البريطاني لا كامرأة وإنما كرجل بعد أن تقمصت شخصية وهيئة الرجال. حكاية عجيبة وطريفة، ولا سيما أنها وردتنا بقلمها عندما كتبت مذكراتها المحفوظة في المكتبة البريطانية. فلا سبيل للشك فيها.
بعد عودة الملكية لبريطانيا عام 1660 اكتسحت البلاد موجة ضاربة من التحرر وشملت المرأة في سيرها حتى ليمكن القول إنها كانت بداية حركة مساواة المرأة وتحررها. دخلت المرأة شتى الميادين، المسرح والأدب والطب والعلوم والفلسفة. ولكن القوات المسلحة بقيت مغلقة في وجهها. ولكن حدث للسيد ريتشارد ولش أن انخرط جنديا في الجيش البريطاني وبعثوا به للحرب. ويظهر أن زوجته كرستين قد تحرقت شوقا لزوجها فقررت الانخراط في الخدمة العسكرية والالتحاق به. اقتضى ذلك منها أن تتظاهر بأنها رجل.
وجدت في البيت بزة عسكرية ثانية لجندي تركها الزوج. لبستها فإذا بها مناسبة وبمقاسها. ولربما أوحى ذلك لها بمواصلة الحكاية عمليا واللحاق بالجيش كجندي. تقدمت لمكتب التجنيد فوجدوها سالمة صالحة للخدمة فجندوها وبعثوا بها لما وراء البحار ضمن قطعات الجيش البريطاني.
إن من السهل لأي فتاة أن ترتدي ثياب جندي وتتظاهر بذلك، ولكن ذلك يسهل لسويعات وليس لأشهر وسنين. وكان من مشاكل ذلك استعمال المرافق الصحية. ففي الجيش لم تكن هناك عندئذ مراحيض نسائية لكنها عالجت الأمر بشطارتها كما ذكرت في مذكراتها.
بيد أنها واجهت مشكلة أصعب عندما تشاجرت مع أحد الضباط ونطقت بشيء جارح لكرامته فتحداها للمبارزة، على عادة أهل ذلك الزمان في الذود عن شرفهم. لم تجد مخلصا غير الاستجابة للتحدي. فتناولت سيفا ونازلته سيفا بسيف دون أن تكون قد أحاطت علما قط بفنون المبارزة. والعجيب أنها انتصرت عليه وأصابته في مقتل. واصلت عملها كجندي وشاركت في شتى المعارك ببطولة وشجاعة لاثنتي عشرة سنة حتى أصيبت في يوم ما بجروح خطيرة في وسطها. نقلوها لغرفة الطبيب فحق عليها نزع سروالها ولباسها ليعالج الجرح. وهكذا انفضح أمرها فلم تملك الإدارة غير تسريحها ومنحها تقاعد جندي عريف. قضت بقية حياتها في منتجع تشيلسي الشهير للمحاربين القدماء وأصبحت المرأة الوحيدة التي سكنت هذا المكان.
خالد القشطيني