عن مظاهر الانحطاط في منطقتنا وفي هذا العالم

هوشنك أوسي – الحياة

 

من غرائب النخب المعارضة للأنظمة الشرق أوسطيّة وعجائبها، أنها عارضت سياسات الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش وممارساته ومشاريعه، وخاطت له أطقم الكلام والأوصاف التي خاطتها للرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب أيضاً، قبل الإعلان عن فوزه في الانتخابات الأخيرة. لكن، حين جرّبت هذه النخب إدارة باراك أوباما وخذلانه المحنة السوريّة، صار الكثير من هذه النخب يترحّم على إدارة جورج دبليو بوش، من دون الجهر بذلك، بحيث تأكّد لهم أن «جنون» بوش كان أرحم من «عقلانيّة» أوباما على الشرق الأوسط.

 

اللافت، أنه أثناء الحملة الانتخابيّة في أميركا، تعاملت مؤسسات إعلاميّة عربيّة كثيرة، ومنها صحيفة «الحياة»، مع ترامب بشيء من الرفض أو النقد، عبر نشر صور له في حالات غريبة عجيبة، تارةً كأنّه «مهرّج»، وأخرى كأنّه «وحش».

 

علماً أنه كان في الإمكان نشر صور عادية له، تخفف من وطأة مساعي الشيطنة التي مارستها الحملة الانتخابيّة لهيلاري كلينتون ضده، وانزلق نحوها بعض المؤسسات العربيّة أيضاً، من حيث يدري أو لا يدري، ومن دون حساب أن هذا الرجل الذي يظهرونه في صور مرعبة وبشعة، قد يصبح رئيس أميركا الذي سيصافحه رؤساء الدول العربيّة وملوكها لاحقاً!.

 

وبعد الإعلان عن فوز ترامب، أيضاً دخلنا حلبة التندّر والتشخيص والتحليل لشخصيّة هذا الرئيس وتجربته، وقيل أن الأمر كان مفاجئاً، وينبئ بحالة من التدهور الدولي أكثر من التي تسبب بها أوباما (المثقف والعاقل). وربما تمثلت الخلاصة المشتركة بين غالبية التحليلات بأن العالم ينحدر نحو الجنون، باعتبار أن الخيار الأميركي استقرّ على ترامب. وفي هذا الحكم الكثير من الصحّة. لكن الجنون الأميركي الذي فرز وصول ترامب الى البيت الأبيض، سبقه جنون شرق أوسطي فرز عقوداً من الفساد والاستبداد والإفساد والدمار السياسي وعلى جميع الصعد. وعلى سبيل التذكير لا الحصر:

 

ما تشهده سورية من حرب يشنّها نظام القرداحة على الشعب السوري منذ ما يزيد عن خمس سنوات، هل فيه شيء من العقل والمنطق أو حتى الضمير؟! وهل الانحياز المصري والجزائري واللبناني… الى هذا النظام الفاشي، فيه شيء من العقل والمنطق؟!

 

ما يشهده العراق من احتراب وتغوّل وتوحّش طائفي (سنّي – شيعي)، وسيطرة إيرانيّة مطلقة على البلد، والتدخّل التركي فيه، هل في ذلك شيء من المنطق والعقل؟!

 

تفاقم القمع الإيراني الداخلي، وصمت المجتمع عن ذلك، وعن عودة الآلاف من أبناء إيران في توابيت من سورية والعراق واليمن، هل فيه شيء من المنطق والعقل؟!.

 

هل ما حصل ويحصل في تركيا، من حرب أهليّة منذ 1984 وحتّى الآن، وإنكار وجود وهويّة وحقوق شعب يناهز العشرين مليوناً، وحملات التخوين والاعتقالات التي تشهدها تركيا قبل الانقلاب الفاشل وبعده، وتحويل الدولة إلى سجن كبير للمجتمع، واحتمالات العودة الى عقوبة الإعدام، فيه شيء من العقل والمنطق؟!

 

استشراء التطرّف الإسلامي في البلدان الأوروبيّة، بين أبناء الجيل الثالث من المهاجرين العرب والمسلمين الذين حصلوا على الكرامة والعمل والتعليم والحريّة والأمان في هذه البلدان، والهجمات الإرهابيّة الدمويّة التي طاولت مدناً وعواصم أوروبيّة عدّة، وردّة الفعل الأوروبيّة على ذلك عبر ارتفاع منسوب شعبيّة الأحزاب القوميّة المناهضة للأجانب والمسلمين، هل في هذا شيء من العقل والمنطق؟!

 

على ضوء ما سلف، ثمّة نهوض أو استنهاض للشعبويات في كل بقاع الشرق الأوسط، وقد بات ينقله الشرق أوسطيون إلى مهاجرهم أيضاً. وهذا يتمثّل في تفاقم التمزّق بين الكرد أنفسهم، أو بين الكرد والعرب، أو بين العرب أنفسهم، وبين العرب والفرس، أو بين الفرس أنفسهم، وبين الفرس والترك، أو بين الترك أنفسهم، وبين الترك والكرد، وبين المسلمين والمسيحيين واليهود، بكل مللهم ونحلهم، ما يطيح المتبقّي من مساحة العقل في السلوك البشري السوي، ويغتال كل بصيص للوعي النقدي.

 

لقد كتب أمين معلوف قبل سنوات «اختلال العالم». وأعتقد أنه بات من الممكن أن يكتب أو أن نكتب «انحدار العالم» أو «انحطاطه». لكن، إلى أي درك سيصل بنا هذا الانحطاط؟!

Comments (0)
Add Comment