حلب تكشف اختلافاً روسياً – إيرانياً

هددت روسيا قبل أيام، بإطلاق النار على أي طرف يخرق الهدنة في حلب، في سابقة هي الأولى من نوعها، بما في ذلك ميليشيات إيران الطائفية في سورية، ما اعتبره مراقبون تعبيراً عن خلاف غير معلن بين طهران وموسكو على سورية.

 

حصل ذلك بعد أن تعرضت بعض سيارات الإسعاف لإطلاق نار من الميليشيات الإيرانية أثناء محاولتها الخروج من شرق حلب، الأمر الذي أدى الى تعطيل عملية الإجلاء.

 

وكشف تعثّر الاتفاق الروسي ـ التركي الأسبوع الماضي، لإجلاء المقاتلين والمدنيين من حلب، وجود خلافات بين روسيا وإيران، حيث دفعت الأخيرة ميليشياتها التي تحتل حلب، إلى عرقلة الاتفاق، عبر منع خروج المدنيين، وإعادة استهداف الأحياء المحاصرة بالقذائف والصواريخ.

 

وتهدف إيران من خلال عرقلة اتفاق الهدنة، عبر أذرعها ومرتزقتها في حلب، إلى تذكير الأطراف بأنها باتت طرفاً أساسياً في المعادلة السورية، خصوصاً أن الاتفاق المذكور انحصر بين أنقرة وموسكو.

 

يعتقد كثيرون أن العلاقة بين روسيا وإيران قد ترتقي إلى ما يمكن تسميته تحالفاً. لكن، بالتحليل المفصل، يظهر أن ذلك ليس دقيقاً،

 

فروسيا تعتبر نفسها قوة عظمى في العالم، بينما تعتبر إيران نفسها قوة إقليمية، ويحاول كل من روسيا وإيران إخفاء خلافاتهما في ملفاتٍ كثيرة قدر الإمكان، إلا أن بعضها يطفو على السطح بين حين وآخر.

 

وبدر أول إنذار جدي من الجانب الإيراني، عندما قررت السلطات الإيرانية رفع دعوى قضائية في محكمة التحكيم الدولية ضد روسيا، متهمة موسكو برفض تزويد إيران بأنظمة صواريخ مضادة للطائرات (أس – 300)، ونشر منذ فترة طويلة هذا الموضوع في وسائل الإعلام الروسية، حيث أعرب الجانب الروسي حينها عن استيائه من الخطوة الإيرانية «غير الودية»، وتم حل المشكلة لاحقاً بعد رفع العقوبات عن إيران.

 

وبدأت جولة جديدة من المواجهة مع إيران في أيلول (سبتمبر) 2015، عندما قررت روسيا البدء بعملية عسكرية في سورية، لدعم نظام بشار الأسد، فعلى رغم أن الأسد حليف لإيران أيضاً، لكن وجهات النظر في موسكو وفي طهران مختلفة حول ترتيبات ما بعد الحرب في سورية، ومصير الأسد نفسه. دعمت إيران عملياً نظام الأسد وحدها منذ عام 2012، وقبل روسيا، وتحملت طهران، في الوقت نفسه، العبء الاقتصادي والسياسي والعسكري لدعمها هذا، ومع ذلك، لم تتمكّن قوات الحرس الثوري الإيراني من إجراء التغيير الجذري في الموقف داخل سورية لمصلحة حليفها، ولم ينجح التدخل الروسي لاحقاً في إجراء تغيير جذري على الأرض السورية.

 

التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية جعل إيران تنتقل إلى موقع خلفي، وبطبيعة الحال، لا يمكن أن يمر أمر كهذا مرور الكرام في طهران، فإيران تعتبر أنها تراجعت إلى شريك ثانوي، وربما صامت، لروسيا في سورية، حتى أن خبراء اعتبروا أن أحد أسباب إعلان الانسحاب الروسي من سورية هو الاستياء الإيراني، إلا أن ادعاءات كهذه صعبة الإثبات.

 

وخلافاً لتوقعات الجانب الروسي، لم تشترِ إيران بعد رفع العقوبات عنها، الطائرات الروسية، وفضلت طائرات آرباص الأوروبية، (بصفقة وصلت قيمتها إلى 25 بليون دولار)، ويماطل الجانب الإيراني ويعيق تنفيذ مشاريع المحطة الكهرومائية في بندر عباس، ومحطة كهرباء السكك الحديد في غرمسار، والتي تتم في إطار مشاريع مشتركة مع روسيا.

 

كما أن رغبة إيران في تحقيق زيادة كبيرة في صادرات النفط، بعد رفع العقوبات، كان لها تأثير سلبي في روسيا، وفي الواقع، تصب هذه الخطوة من إيران في مصلحة الولايات المتحدة، وتجد روسيا نفسها مضطرة للتماشي مع حليفتها، بسبب طبيعة التطورات الإقليمية والدولية، ويدفع ثمن تنازل موسكو الروبل الروسي الذي يتراجع في شكل حاد أمام الدولار الأميركي.

 

وتلقت روسيا طعنة بالظهر قبل أشهر عدة، خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تركيا، وإعلانه هناك أن إيران مستعدة لتصبح الضامن لأمن الطاقة في تركيا، ويعتقد خبراء كثيرون أن هذه الكلمات كانت موجهة إلى موسكو، أكثر منها إلى أنقرة، وأن إيران مستعدة لضرب سوق كبيرة للغاز الطبيعي ومهمة جداً لحليفتها.

 

فمجرد عرض كهذا لأنقرة من طهران يمكن فهمه وسيلة للتباهي بأن إيران قادرة على الحلول محل الغاز الروسي في السوق التركية، ومن شأن هذا الأمر أن يحرم روسيا من التدفقات المالية الهائلة التي تحتاجها كثيراً على خلفية انخفاض أسعار النفط، ويفقد موسكو الأداة الوحيدة للضغط على تركيا التي تعتبر ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي بعد ألمانيا، ما يدفع دور روسيا في المنطقة إلى التراجع.

 

وأخيراً، تلقت روسيا ضربة في قطاع الطاقة أيضاً من إيران خلال اجتماع الدوحة قبل الأخير، للدول المنتجة للنفط، وبات من المعروف أن إيران خلال الاجتماع رفضت تجميد إنتاج النفط، ما أدى الى مزيد من التذبذب في أسعاره طوال الفترة الماضية، ما أسفر عن مزيد من انخفاض قيمة الروبل الروسي.

 

الحياة

Comments (0)
Add Comment