هوشنك أوسي – الحياة
بعد افتضاح خرافة مشروع حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي الحاكم في تركيا، وما قيل عن «قوّتها الناعمة» وأن هذا المشروع خلق حالة انسجام بين الديموقراطيّة والعلمانية والإسلام السياسي، فإن فقاعة تركيا في طريقها إلى الانفجار. هذه الفقاعة التي كانت تخفي تحتها الانبهار والاندهاش بالتجربة الإسلامية الأردوغانية التركية عربياً ودولياً، كانت تخفي أيضاً احتضان العناصر والجماعات الإسلامية المتطرفة ورعايتها طيلة فترة حكم الحزب الأردوغاني، منذ بدء هذه الجماعات التكفيرية مقاتلة الاحتلال الأميركي في العراق، كما تشارَكَ نظاما الأسد وأردوغان في مهمة الاحتضان والرعاية والدعم للتكفيريين (البغدادي كان في تركيا عام 2007، وتحت مراقبة الأمن التركي)، وصولاً إلى الثورة السورية وانزلاقها نحو العسكرة وما ترتب على ذلك من فظائع ومجازر، مع الضلوع التركي في احتضان العناصر والجماعات التكفيرية الإرهابية الناشطة في سورية ودعمها. بالتالي، ثمة مؤشرات تفيد بأن أوهام أنقرة التي تقول أن العناصر والجماعات المتطرفة ستكون تحت السيطرة إلى ما لا نهاية، هي أيضاً في طريقها إلى لتبدد. ذلك أن واشنطن، بعد انتهاء الاحتلال الروسي أفغانستان، فشلت في ضبط الحركات الجهادية التكفيرية الأفغانية، فكيف لتركيا أن تنجح في ذلك؟!
مناسبة ما سلف هو الحديث عن أحوال تركيا التي باتت تتمرغ في أوحال التطرف والتكفير وإرهاب الجماعات الإسلامية، تحت رعاية حزب «العدالة والتنمية» الحاكم وحمايته ودعمه، ما يشي باقتراب انفجار فقاعة تركيا الإسلامية المعتدلة. وربما كان أحد مؤشرات أوحال التطرف حجم احتفاء الأوساط الإسلامية المقربة من الحزب الحاكم بالهجوم الذي استهدف الملهى الليلي في إسطنبول، باعتبار أن «الضحايا يتحملون مسؤولية ما أصابهم» لأنهم يحتفلون بعيد «مسيحي». إضافة إلى إصدار دائرة الشؤون الدينية (توازي وزارة الأوقاف في تركيا) فتوى تحرم فيها الاحتفال برأس السنة الميلادية في بلد من المفترض أنه علماني وديموقراطي ويحترم حرية الرأي والمعتقد!
وإذا كان هنالك من يشكك في أن تركيا الأردوغانية على وشك الغرق في أوحال التكفير وما تنتجه من إرهاب مستطير، أو يجد هذا الرأي مبالغاً فيه، يكفي أن يقال لهؤلاء: إذا كانت المجتمعات الأوروبية التي تحكمها أنظمة علمانية وديموقراطية، شهدت هذا الصعود للتطرف والتكفير والترهيب الإسلاموي، فماذا عن تركيا التي يحكمها حزب إسلامي محافظ منذ 2002؟! بكل تأكيد، التطرّف الموجود في تركيا، سيكون أضعاف أضعاف ما هو موجود في الدول الأوروبية.
في منتصف التسعينات، ارتكبت أجهزة الدولة التركية جرائم ومجازر بحق الأكراد، وألصقت تهمة ارتكابها بـ «العمال الكردستاني». وهذا لا يعني أن الأخير لم يرتكب جرائم أو انتهاكات. ولكن، كحال النظام في مصر إبان حكم مبارك، والنظام الجزائري مطلع التسعينات، لجهة ارتكاب أجهزة الدولتين الأمنية جرائم ومجازر بشعة وإلصاق التهمة بالقوى الإسلامية المعارضة، يبدو أن تركيا أيضاً نحت هذا المنحى. ذلك أن من بين سلسلة التفجيرات التي ضربت تركيا، لم يعترف تنظيم «داعش» الإرهابي بأي من تلك التي استهدفت أكراد تركيا، واكتفى التنظيم بتبني الهجوم الأخير في إسطنبول الذي استهدف الملهى الليلي وحصد ما حصد من أرواح الأبرياء. وهذا في حين أن التفجيرات التي استهدفت العسكريين الأتراك، اعترف بها وتبناها التنظيم المقرب من «الكردستاني» (صقور تحرير كردستان)، ما يعني أن ارتكاب أجهزة الدولة التركية جرائم بحق مواطنيها وإلصاق التهمة بـ «داعش»، خرج من إطار الفرضية، بل صار واقع حال تركيا، كحال نظام الأسد الابن، في بداية الثورة عليه، حين كان يرتكب جرائم ومجازر بحق المواطنين السوريين، ويلصق التهمة بالجماعات الإرهابية.
وختاماً، فأحوال تركيا لا تسر أي صديق أو محب لهذا البلد وشعوبه، لجهة تفشي «الأخونة» و «الدعشنة» و «التشبيح» و «التكفير» في أجهزة الدولة ومؤسساتها، وفي أوساط العامّة أيضاً. وبما أن الاصطدام مع الحلفاء أحد أبرز خصال رجب طيب أردوغان وحزبه، إذ بدأه مع جماعة فتح غولن (التي تُصنّف بأنها معتدلة)، فهذا الاعتدال، أكان موجوداً في جماعة غولن أو في حزب أردوغان، لن يستمر إلى ما لا نهاية، تحت ضغط الصراعات وما تنتجه من تمزقات في الأنسجة الاجتماعيّة وتفاقم أحوالها، المفضية بالضرورة إلى أوحالٍ كالتي نراها في سورية والعراق وأفغانستان وأماكن أخرى في العالم.