فايز سارة
كثيرون من السوريين يتحدثون عن سلبيات ما بعد حلب، وبالتأكيد لهؤلاء كل الحق، فقد كانت معركة حلب بمجرياتها ونتائجها نقطة تحول مهمة في مسار القضية السورية في الجانبين السياسي والعسكري، وكان بين تداعياتها المباشرة تصعيد دور تشكيلات المعارضة المسلحة وفقا للدور الروسي – التركي المتصاعد والذي كان من نتائجه اتفاق وقف اطلاق النار المبرم أواخر كانون الأول الماضي، ثم انعقاد مؤتمر أستانة الذي انعقد مؤخراً تحت شعار ما سمي ب ”الحوار السوري – السوري” بين وفد نظام الأسد ووفد المعارضة المسلحة، وقد صيغت نتائج المؤتمر في بيان استانة الصادر عن اطراف اعلان موسكو وفيه دول التوافق الدولي حول سوريا روسيا وتركيا وايران، التي كرست حضورها ب ”اعلان موسكو” أواخر الشهر الماضي، ثم كررت حضورها في بيانها الصادر بعد انتهاء اعمال مؤتمر استانة الأسبوع الماضي بعد مفاوضات جرت بين وفد نظام الأسد ووفد المعارضة المسلحة برعاية روسية – تركية.
ورغم كل الملاحظات السورية على دور المعارضة المسلحة في توجهاتها وفي ممارساتها، ومثلها الملاحظات على دور وسياسات دول التوافق وخاصة روسيا وايران، فان جلب تشكيلات المعارضة المسلحة الى طاولة المفاوضات ومشاركتها في تطورات مابعد حلب، يشكل تطوراً ايجابياً في القضية السورية في جانب مهم منها، خاصة لاعطائها دور في الحل السوري وعقلنتها، ودفعها لاتخاذ مواقف وسياسات، تعزلها عن تشكيلات التطرف والإرهاب مثل النصرة- جبهة فتح الشام حالياً وجند الأقصى، التي يصفها كثيرون عن حق بانها “فرخ داعش” او مثيله الصغير. ولا يحتاج الى تأكيد، ان موقف تشكيلات المعارضة المسلحة ولاسيما الأخير منها، يمثل تحولاً ايجابياً لمرحلة مابعد حلب.
ذلك انه وفي خلال المعركة وقبلها، كانت اغلب تلك التشكيلات، ترفض وصف النصرة ومن يماثلها ب”الإرهاب”، واغلبهم يرفضون فصل النصرة “جبهة فتح الشام” واخواتها عن المعارضة المسلحة ويسوقون اسباباً، لاتتوافق في غالبيتها مع طبيعة الصراع في سوريا باعتباره ثورة شعبية ضد نظام مستبد وطائفي وقاتل، ولا مع طبيعة ايديولوجية تلك الجماعات المنتمية الى القاعدة وعلى يمنيها، ولا مع ممارساتها الاكراه والاجبار في العلاقة مع السوريين في مناطق سيطرتها، ولا في العلاقة مع تشكيلات المعارضة المسلحة، التي دأبت النصرة واخواتها على الصراع معها وصولاً الى القتال ضدها، وكلها كانت بين الأسباب التي أدت الى هزيمة حلب.
لقد تأخرت تشكيلات المعارضة المسلحة في توجهها الأخير نحو اخراج النصرة واخواتها من عباءة المعارضة المسلحة، وكان هذا بين الأخطاء الكبرى نتيجة وهم، ان النصرة هي قوة مقاتلة ضد نظام الأسد، وانها تضم في صفوفها “متطوعين” قدموا الى سوريا لنصرة الشعب السوري في مواجهة نظام القتل والتدمير، متجاهلين ان السوريين لاينقصهم العدد في مواجهة النظام، ففي احدى جمع التظاهر، شارك في المظاهرات نحو ثلث سكان سوريا أي مايقدر بنحو ثمانية ملايين متظاهر ومحتج على النظام في سياساته وممارساته، ومتناسين في الوقت ذاته، ان النصرة تنتمي الى فكرة وايديولوجية القاعدة، التي وان غيرت اسمها الى جبهة فتح الشام، فانها لم تبدل ايديولوجيتها وممارساتها، كما ركز موقف بعض تلك التشكيلات من النصرة الى وجود سوريين في صفوفها او مؤيدين لها متناسين ان النظام واركانه وعصاباته واجهزته من السوريين ايضاً، وان القضية لاتقاس بمجرد هوية، وانما بالموقف.
فقد استعان النظام وجماعات الإرهاب بمن فيهم “داعش” والنصرة في حربهم على الثائرين ضد نظام الأسد وحلفائه بمليشيات وافراد ينتمون الى نحو مائة جنسية من مختلف بلدان العالم. ان الطابع “الإسلاموي” لجبهة النصرة واخواتها، كان بين الأسباب التي اخرت إخراجها من عباءة تشكيلات المعارضة المسلحة ذات التوجهات الاسلامية، رغم كل المطالبات السياسية والشعبية، التي نادت بعزل النصرة ومحاربتها، وكان ذلك في جملة نتائج عملية الاسلمة والتطييف، التي سعت اليها قوى داخلية وخارجية كانت تتخوف من ثورة السوريين بطبيعتها الوطنية والديمقراطية، وبتعبيرها المسلح الأول البسيط ممثلاً بتشكيلات الجيش الحر، والتي صارت هدفاً أول ل”النصرة” و”داعش” واخوانهما، ولم تمنع مشتركات “الأسلمة والتطييف” حرب النصرة وجند الأقصى ضد بقية تشكيلات المعارضة المسلحة، وآخرها المعارك في ريف ادلب وقبلها المعارك في حلب المحاصرة، وهي مثال للحروب، التي شنها “داعش” ضد تشكيلات المعارضة المسلحة. لقد اثبت الحس الشعبي البسيط في كل المناطق، التي سيطرت عليها النصرة واخواتها او انتشرت فيها، انه كان الأكثر وعياً في الموقف من النصرة بايديولوجيتها المتطرفة وبممارساتها الإرهابية، فاعلنت قطاعات واسعة منه القطيعة مع النصرة وامثالها، ورفعت صوت الاحتجاج على ممارساتها، وسعت عبر نشاطات مدنية وسياسية وثقافية وتظاهرات لمواجهتها، وهذا ما ابرزته فعاليات كثيرة تواصلت العام الماضي في حلب وادلب وغيرها.
وإذا كانت الاوسط الشعبية والمدنية والسياسية، تواصل هذه الأنشطة في ادلب وريفها ضد النصرة وجند الأقصى خصوصاً، احتجاجاً على الحرب التي تشنها النصرة على تشكيلات المعارضة المسلحة، فان المطلوب من الأخيرة، ليس التصدي لهجمات النصرة وفلول جند الأقصى عسكرياً فقط، انما المطلوب عزلهما سياسياً، واطلاق الحرب على الفكر الإرهابي والمتطرف، وتعزيز تيار الإسلام المنفتح في الحياة اليومية، بل ان المطلوب من تشكيلات المعارضة المسلحة، إعادة رفع علم الثورة واحياء روح ثورة السوريين المدنية والشعبية ومطالبهم بالحرية والعدالة والمساواة، وهذه بعض ماينبغي القيام به، بعد الاكتشاف السوري المتأخر لاضرار واخطار التطرف الذي تمثله النصرة، والإرهاب الذي جسدته النصرة واخواتها في الحياة السورية على مدار نحو من خمس سنوات مضت.