أثارت تصريحات الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، حول إنشاء منطقة آمنة في سورية جدلًا في الأوساط الأميركية، وقلقًا في الأروقة الروسية، في الوقت الذي رحبت فيه تركيا وقطر بتلك التصريحات، فضلًا عن إعلان فرنسا استعدادها لبحث المسألة بجدية.
وقال ترامب، في تصريحات لشبكة (إيه. بي. سي نيوز)، الأربعاء الفائت، إنه “سيقيم بالتأكيد مناطق آمنة في سورية”، من أجل “حماية الأشخاص الفارين من العنف هناك”، وبحسب وثيقة تحدثت عنها وكالة “رويترز”، فإنه من المتوقع أن يأمر ترامب وزارتي الدفاع والخارجية في الأيام المقبلة وضع خطة لإنشاء المناطق الآمنة في سورية.
وجاء في مسودة الوثيقة أنه “وجّه وزارة الخارجية إلى التعاون مع وزارة الدفاع في غضون 90 يومًا من تاريخ هذا الأمر، بوضع خطة لتوفير مناطق آمنة في سورية وفي المنطقة المحيطة، يمكن فيها للمواطنين السوريين الذين نزحوا من وطنهم انتظار توطين دائم، مثل إعادتهم إلى بلادهم أو إعادة توطينهم في بلد ثالث”.
هل يمكن أن تتحول هذه التصريحات إلى أمر واقع؟
يقول عضو الهيئة السياسية في الائتلاف، حواس خليل: “لا شك في أن إقامة منطقة آمنة على الحدود السورية كاملة، هو مطلبٌ طالب به الائتلاف أكثر من مرة، لكن -للأسف- لم تستجب الدول لهذا المطلب”، موضحًا: “كان مطلب الائتلاف بإقامة منطقة آمنة تحت حماية دولية، من أجل تخليص السوريين من آلة القتل اليومية التي يتعرضون لها، والحدّ من هجرة السوريين والتجائهم إلى الدول المجاورة ودول أوروبا، ومن ثمّ؛ إقامة المنطقة الآمنة تحت حماية دولية يخدم السوريين، بكل تأكيد، وستكون عامل استقرار لجزء كبير من الفارين من آلة الحرب والقتل والدمار، كما أنها ستكون منطقة استقرار نوعًا ما؛ قياسًا على ما يحصل في بقية أجزاء البلاد”.
وأضاف “حتى الآن تصريحات ترامب عبارة عن مسودة لم تدخل خانة التنفيذ، ولا نعرف حقيقةً ما الآلية أو مخطط ترامب لتنفيذ هذا الموضوع، بعد أن طلب من وزارة الدفاع والخارجية العمل على وضع هذه الخطة، لكن هذه الخطة بكل تأكيد بحاجة لأن يطلّع عليها الائتلاف؛ من أجل أن يكون التقييم دقيقًا”.
وتابع حواس قائلًا: “يجب أن تكون المنطقة الآمنة شاملة للمناطق الحدودية، ولا تشمل منطقة بحدّ ذاتها، وألا تكون أيضًا تحت إشراف أو وصاية دولة بحد ذاتها، وإنما تكون بإشراف دولي وحماية دولية”.
وعلى الصعيد الأميركي، قابل مسؤولون عسكريون أميركيون تصريحات ترامب المخالفة لسياسة واشنطن في سورية عبر السنوات الست الماضية، بالقول: إن خلق هذه المنطقة بحاجة إلى إنشاءات عسكرية أولية ضرورية، كما أن “هناك حاجة إلى قوات برية وجوية لحمايتها. وقد تضع هذه المناطق الآمنة القوات الحليفة للولايات المتحدة الأميركية بالقرب من قواتٍ أجنبيةٍ أخرى، ومنها القوات الروسية وقوات النظام السوري، ما يزيد الوضع خطورةً”، وفق صحيفة وول ستريت جورنال.
ورأت الصحيفة، في تقرير نشرته أمس الجمعة، أن قرار ترامب يمهد الطريقَ “لتصعيد التدخل العسكري الأميركي في سورية، عن طريق توجيه البنتاغون ووزارة الخارجية، لصوغ خطةٍ تهدف لخلق منطقةٍ آمنةٍ داخل سورية للمدنيين الفارين من الصراع”.
كما يرى محللون سياسيون، أن إقامة منطقة آمنة يتطلب من جهة أخرى، التنسيق مع “الأمم المتحدة” ووكالات الإغاثة من أجل تقديم المساعدة للمدنيين، الذين سيقيمون في هذه المناطق، فضلًا عن توفير الخدمات الأساسية والحماية لهم، وهذا أمرٌ ليس سهلًا في ظل الفوضى والحرب المتعددة الأطراف التي تأخذ مكانًا في البلاد.
بوادر خلاف روسي- أميركي جديد
واجهت موسكو تصريحات ترامب بالتحذير من عواقب إقامة مناطق آمنة في سورية، ما يشير إلى إشكالية بين حوتيّ الملف السوري دوليًّا، إذ قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف: إن “الحكومة الأميركية لم تشاور روسيا قبل أن تعلن نيتها إقامة مناطق آمنة في سورية”، وتابع: “على واشنطن أن تفكر في العواقب المحتملة لتنفيذ هذه الخطة”.
أشار بيسكوف إلى أن بلاده “تنتظر حتى يكتمل تشكيل المؤسستين: الدبلوماسية والعسكرية (الخارجية والدفاع) في إدارة ترامب؛ لكي يتضح الموقف الأميركي في هذا الشأن”، معتبرًا في تصريحات صحفية أنه “من الواضح مسبقًا أن روسيا لن تقبل بسهولة مثل هذه المشروعات.. فرض مناطق آمنة يعني فرض حظر للطيران فيها، في حين أن الأجواء السورية تحت سيطرة الروس”.
في السياق ذاته، قال حواس خليل إن “تصريحات ترامب التي دعا فيها إلى إنشاء منطقة آمنة ونفي الروس علمهم بهذا الموضوع، يوحي بأنه قد يكون هناك مشاكل مستقبلية بين الطرفين بشكل أو بآخر حول مخطط هذه المنطقة، والجهة المشرفة على هذه المنطقة، وآليات إقامة هذه المنطقة”.
لكن المسؤول في المعارضة رأى أيضًا أنه “في النهاية لا أتوقع أن بإمكان الروس الوقوف في وجه المخطط الأميركي بأي شكل من الأشكال، في حال كان الأميركان يرغبون بعمله بشكل جاد أو فعلي”.
من جهة أخرى، يرى مراقبون أن الروس يفركون أيديهم فرحًا بتصريحات ترامب رغم موقفهم السلبي حولها علنًا، لاسيما وأن قيام منطقة آمنة يعني وجود هيئة مسؤولة عن إدارتها، هذه الهيئة تتوافق مع ما تفكر به موسكو في مسودة دستورها لسورية، والذي ينص على وجود مجالس محلية. كما أن المنطقة الآمنة يمكن أن تكون مثال حي ومُصغّر لمفهوم اللامركزية في الحكم، والذي في حال نجاحه قد يقدم نموذجًا يُحتذى به في بقية المناطق السورية، وصولًا إلى فدرلة البلاد.
ترحيب تركي قطري واستعداد فرنسي لبحث المنطقة الآمنة
أعلنت تركيا، التي لطالما دعت إلى إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية، أنها تؤيد تصريحات ترامب التي توافق نداءها القديم المستمر حول المنطقة الآمنة في سورية، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، حسين مفتي أوغلو، “رأينا طلب الرئيس الأميركي بإجراء دراسة حول المنطقة الآمنة في سورية، المهم هو نتائج هذه الدراسة وما هو نوع التوصية التي ستخرج بها”.
وأضاف المسؤول التركي أن “إقامة مناطق آمنة أمر تدعمه تركيا من البداية، وأفضل مثال جرابلس”. في إشارة إلى البلدة المتاخمة للحدود التركية السورية، التي تم تحريرها من تنظيم “داعش” في إطار عملية درع الفرات التي أطلقتها تركيا والمعارضة السورية في شهر آب/ أغسطس من العام الماضي.
من جهته، قال مدير المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية القطرية، أحمد بن سعيد الرميحي، إن الوزارة ترحب باعتزام الولايات المتحدة توقيع قرار تنفيذي لوضع خطة لإنشاء مناطق آمنة في سورية”، مؤكدًا ضرورة تأمين “ملاذات آمنة في سورية وفرض مناطق حظر جوي، بما يضمن سلامة المدنيين وفق القرارات الدولية، ويحمي الشعب السوري من آلة الدمار والتشريد”.
كما أعلنت باريس استعدادها لبحث موضوع إنشاء “مناطق آمنة” في سورية مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك على لسان مندوب فرنسا الدائم لدى الأمم المتحدة فرانسوا ديلاتر.
وأكد ديلاتر، في تصريحات صحفية، أن بلاده لطالما كانت منفتحة أمام هذه الفكرة منذ ظهورها قبل أشهر بل سنوات، وتابع “نعلم عن الصعوبات التي قد تواجه تحقيقها، لكننا مستعدون للعمل مع الإدارة الأميركية ومع جميع شركائنا من أجل فهم ما إذا كانت هذه المبادرة قابلة لتنفيذها”.
جيرون