الأحزاب الكوردية والتنازل عن كوردستان (سوريا)!

بير رستم –  الحوار المتمدن

أحد الإخوة وفي تعليق له على بوست لي بخصوص ضعف المشاركة والدور الكوردي مع المعارضة السورية ومنذ اللحظة الأولى، بل منذ المشاركة معهم ضمن حراك “إعلان دمشق” وتحديداً منذ جلسة المؤتمر التأسيسي للمجلس الوطني السوري عام 2007 والذي قبلنا فيها كحركة وطنية كوردية، بأن تكون “سوريا جزء من الوطن العربي والشعب السوري جزء من الأمة العربية”، كتب ذاك الأخ معاتباً ولائماً ليقول؛ “أخي الكريم دعك من هذا وذاك في مثل عند الإخوة العرب يقول (الفسوة على المرتجي هين …) …الم تكن حاضراً في ذلك الاجتماع.. لماذا لم تسجل موقفا تاريخيا ..ولماذا لم تتلقف الكلمة من المومأ إليه. .وتضع نقطة لإنهاء كلامه .. وتصرخ فيهم بملىء شدقيك ..وأنت كاتب لا يشق له عنان وتستطيع وضع النقاط على الأحرف .. كنت سجلت موقفا تاريخيا تنحني له الهامات”.

 

أولاً أشكر ذاك الصديق لإشادته الكريمة بخصوص كتاباتي وشخصيتي عموماً وبما إنه تطرق لقضية تتعلق جزء منها بدوري وشخصيتي، ناهيكم عن أن القضية تتعلق بحقوق شعب وقضية وطنية وكنت شاهداً عليها، فأعتقد بأن من الواجب الأخلاقي والوطني أن أضع فعلاً بعض النقاط على الأحرف، لكي تكون شهادة على ذاك الحراك السياسي وإن كان هناك ما فيه غير دقيق، أعتقد بأن الآخرين وبسهولة يمكنهم الرد حيث عدد المؤتمرين قد تجاوز (160) عضواً مؤتمراً، ضمنهم لا يقل عن (30) عضواً من طرف الحركة الوطنية الكوردية، أغلبهم ما زال يمارس عمله السياسي وفي أهم مواقعهم الحزبية حيث أغلبهم _وربما الجميع_ في الصف الأول داخل أحزابهم وعدد منهم يستلمون سكرتاريات تلك الأحزاب .. ولكي لا نطيل سندخل الموضوع مباشرةً مع مقدمة ضرورية لتوضيح بعض النقاط والقضايا.

 

إنني وبعد انقسام “حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا” مع بداية التسعينيات من القرن الماضي، اعتزلت العمل السياسي كحزبي واكتفيت بالكتابة حيث انصرفت للنشاط الثقافي الأدبي وتحديداً كتابة القصة القصيرة باللغة الكوردية وكذلك بعض المقالات والقراءات الفكرية المتنوعة بين نقد الفكر الديني أو قراءات سياسية متنوعة بخصوص ما يتعلق بالكورد وقضاياهم وباللغة الكوردية، لكن ومع بداية هذه الألفية وبروز الدور الكوردي وعلى الأخص كورد (العراق) واشتداد حملة بعض الأقلام العروبية العنصرية على الكورد وقضاياهم، فإنني اتجهت للكتابة باللغة العربية والرد على أصحاب أولئك الأقلام وقراءاتهم دفاعاً عن قضايا شعبنا وحقهم في الحياة الحرة الكريمة أسوةً بكل شعوب المنطقة والعالم وها إنني ما زلت مستمراً على ذاك الدرب، لكن وللأسف على حساب الجانب الأدبي والكتابة باللغة الكوردية.

 

وهكذا بقيت ملتزماً بالكتابة كفكر وعمل سياسي دون الالتزام بأي حزب من أحزابنا الكوردية أو السورية وذلك على الرغم من أن علاقتي كانت طيبة مع الجميع.. وبقي الحال كذلك إلى أن كان عام 2005 وتحديداً نوروز ذاك العام حيث كنت قد تزوجت واستقريت ببلدتي جنديرس، مما حتم علي أن أحضر نوروز مع أهالي المنطقة وفي أقرب مركز لنا وكانت ساحة البيادر العائدة لقرية جلمة هي الأقرب ومعلوم لأهالي المنطقة؛ بأن الإخوة في حزب الوحدة الديمقراطي هم أكثر حضوراً وإشرافاً على ذاك المركز حيث وعلى الرغم من مسألة الإجماع الحزبي والذي كان يتم قبل كل نوروز من أجل المناسبة وإدارتها من قبل الحركة الوطنية الكوردية، لكن كان يبقى لكل حزب مراكزها القوية.. وهكذا فإن حزب الوحدة ورغم الإجماع كان هو المشرف الحقيقي على النقطة النوروزية، لكن عنجهية رفاق حزبهم وهم يهمشون وبطريقة فجة _حينذاك_ رفاق الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا “البارتي” _الآن هو الكوردستاني_ أزعجتني جداً وحينها قررت أن أنضم لهذا الحزب العريق محاولاً إعادة مجده في عفرين مع الكوادر الموجودة.

 

وفعلاً انضممت لصفوف الحزب؛ طبعاً لن أقف على التفاصيل وربما أعود لذلك في مذكراتي يوماً حيث وللأسف تعرضت للكثير من المضايقات والإزعاجات الأمنية وكذلك من عدد من القيادات الحزبية ويبدو أن البعض ومنذ اللحظة الأولى كان يتوقع الصدام والخوف على مواقعه الحزبي، لكن ذاك ليس موضوعنا هنا.. المهم عملت في جنديرس وعموم منطقة عفرين كأحد الكوادر الحزبية المتقدمة واستطعنا خلال أقل من عامين أن نكون الند لحزب الوحدة في المنطقة _وحينها حزب الوحدة كان الحزب الأقوى والأول ضمن الحركة الكوردية في منطقة عفرين وذلك بعد الضغط الأمني على رفاق ومؤيدي العمال الكردستاني_ وهكذا أصبحنا نحن والأخوة في حزب الوحدة نتقاسم الشارع الكوردي في المنطقة، بل استطعنا وقتها أن نأخذ عدد كبير من أعضاء حزب الوحدة لينضموا للبارتي، مما سبب الكثير من المشاكل بيننا وتحديداً معي ووصل الأمر لنوع من التهديد والوعيد لي وذلك من بعض الإخوة في حزب الوحدة ولكن تم تداركها فيما بعض من قيادة الحزبين.

 

وهكذا ولنشاطي وحيويتي ودوري فقد كُلِفت من قبل الرفاق، بأن أكون ممثل الحزب والجبهة الكردية” _حينها كانت الحركة الكوردية في سوريا منقسمة بين أحزاب الجبهة الكردية والتحالف الكردي_ وهكذا أصبحت ممثلهم داخل قوى “إعلان دمشق” عن ممثلية حلب مع الصديق المحامي “إبراهيم بريم”، كما ومن جانب الإخوة في التحالف كان يحضر كل من السيد “محي الدين شيخ آلي”؛ سكرتير الحزب والأخ “رشيد شعبان” عضو اللجنة السياسية للحزب بالإضافة إلى كل من الراحل “عبد الرحمن أبو كوران” والصديق “محمد منان” وهذين الأخيرين كانا يحضران بصفة مستقل .. وهكذا كانت لنا اجتماعاتنا بشكل دوري كل شهر نلتقي في حلب ببيوت ومكاتب أحد رموز المعارضة الحالية ومنهم الأصدقاء؛ “سمير نشار، عبد المجيد منجونة”.. والآخرين. وهكذا استمر الحال إلى أن أُقِرَ المؤتمر التأسيسي للمجلس الوطني السوري لقوى إعلان دمشق والذي أنعقد في نهاية عام 2007 بدمشق بمنزل السيد “رياض سيف”، لكن وقبل حضور ذاك المؤتمر التأسيسي تم توزيع وثائق المؤتمر من نظام داخلي والوثيقة الأساسية للمجلس الوطني علينا للإطلاع وإبداء الرأي والمناقشة خلال جلسة المؤتمر التأسيسي.

 

وعند قراءتي للوثيقة الأساسية _وقبل الذهاب للمؤتمر_ استوقفني عدد من النقاط والتي رأيت فيها بأن لو يتم الموافقة عليها بصيغتها تلك _وللأسف الحركة الوطنية وبكل أحزابها من الجبهة والتحالف الكردي قد وقعت عليها في ذاك الحين وذلك على الرغم من تنبيهنا واعتراضنا الشديد عليها_ فستكون بحق عملية تنازل عن كل ما يمكن أن يقال؛ وجود قضية كوردية في (سوريا) حيث الوثيقة كانت تقول وبالحرف؛ بأن “الشعب السوري جزء الأمة العربية” وأن “سوريا جزء من الوطن العربي”، ناهيكم بأنها كانت في فقرة منها تتحدث عن القوانين والإجراءات الاستثنائية للحكومة السورية، لكنها لم تكن تتحدث لا عن الإحصاء ولا الحزام العربي العنصري وبعد مداخلات مني ومن بعض الإخوة الآخرين وإصرارنا الشديد، تم إضافة فقرة الإحصاء، لكن لم يأخذوا بالحزام العربي كإجراء وقانون استثنائي بحق أبناء شعبنا وللأسف مرت الوثيقة ووقعت عليها الحركة الكوردية بتلك الصياغة العروبية.

 

المهم لنعد إلى أخطر فقرتين، ألا وهما؛ “سوريا جزء من الوطن العربي” و”الشعب السوري جزء من الأمة العربية” وإنني أتذكر حينها وقبل التوجه للمؤتمر قرأت تلك الفقرة على أحد الإخوة في حزب الوحدة _ابن خالي؛ “مصطفى رشوليك” هو اليوم عضو اللجنة السياسية لحزب الوحدة_ وعندما وجد الفقرتين وبتلك الصياغة قال بالحرف؛ “إن تم التوقيع عليها فيعني إنكم بعتم القضية والتاريخ سوف يحاسبكم وإن مصيركم لن يكون بأفضل ممن حضر من الكورد مؤتمر لوزان”، لكنه جاءني بعد يومين ليقول: بأنه تشاور مع عدد من رفاق وقيادات الحزب وبأنهم أخبروه؛ بأن “هذه ليست إلا مسودات وسيتم تعديلها”، لكنني جاوبته وقلت: “للأسف ستبقى بهذه الصياغة والحركة سوف توافق عليها وإنني سأحضر لأحاول مع بعض الإخوة وقدر الإمكان؛ بأن لا نوقع عليها بهذه الصياغة وإن تم التوقيع عليها، فإنني سأعلن اعتزالي من المجلس وإعلان دمشق”.

 

وفعلاً وبعد أيام اتصل معي السيد “محي الدين شيخ آلي” ليخبرني وباختصار؛ أن أكون بحلب في اليوم التالي وهذه كانت الشيفرة وبأن المؤتمر سيكون باليوم الذي يليه.. وهكذا وعلى الرغم من انشغالي حينها بجني محصول الزيتون، فقد قمت بتكليف أحد أبناء عمومتي بالإشراف وتوجهت في اليوم التالي لمدينة حلب وهناك اجتمعنا ممثلي الحركة الوطنية ببيت الصديق والأخ “رشيد شعبان” وأتذكر بأن كل قياداتنا في الصف الأول كانت حاضرة ودون استثناء _ربما بعض الأسماء حيث التحقوا في اليوم التالي مباشرةً إلى دمشق_ وهنا أيضاً وبحضور كل تلك القيادات الكوردية، أعدت إثارة موضوع الفقرتين فجاءتني عدد من الأجوبة وبأنهم سيحاولون أن يتفقوا على صياغة أقرب للدستور العراقي والذي يقول؛ بأن “العراق عضو في كل من المنظمة الإسلامية والجامعة العربية”، لكنني لم أكتفي بالإجابة تلك وحاولت أن أصل للقرار النهائي حيث كانت قد ترشحت لي بعض المعلومات تفيد؛ بأن قادة الأحزاب قد اجتمعوا في قامشلو واتفقوا على الصياغة الأخيرة وقد اتخذوا القرار بالإجماع بخصوص ذاك الموضوع.

 

وهكذا وبعد الإلحاح والإصرار مني جاء الجواب من الراحل الأستاذ “إسماعيل عمر”؛ رئيس حزب الوحدة حينذاك ليقول وبكل صراحة ووضوح، كما معروف عن الرجل، حيث قال وبحضور الجميع؛ “أستاذ بصراحة نحن قادة الأحزاب وسكرتاريه اجتمعنا في قامشلو وقررنا بأن نوافق على الوثيقة حتى وإن بقيت بهذه الصياغة الحالية، لكن سنحاول أن نغير تلك الصياغة قدر الإمكان”، كان الجواب واضحاً ولا يحتاج للتأويل والتفسير ولكن أبقى بعض الأمل في التغيير ولذلك قررت المضي معهم إلى دمشق .. وفعلاً حضرنا المؤتمر التأسيسي وحاولت مع بعض الإخوة وقدر الإمكان أن نغير تلك الصيغة، لكن عبث ودون جدوى، بل وصل الأمر ببعض قادة الأحزاب الناصرية وتحديداً رفاق السيد “حسن عبد العظيم” أن يستنكروا وجود قضية كوردية في سوريا أو حتى مشكلة كوردية وأن “كل الموضوع هناك بعض الإخوة الأكراد قد هربوا من ظلم الأتراك ونحن _أي سوريا_ استقبلناهم وهم لليوم ليس لديهم جنسية فيجب إعطائهم الجنسية السورية وتنتهي الحكاية” وللعلم فقد جاءني في الاستراحة عدد منهم وهو محمراً محاولاً التعرف على هذا العنصر المشاغب والذي لا يتوقف عن المداخلات الكثيرة وهو يحاول طرح القضايا الكوردية.

 

وبالتالي تم الإقرار على تلك الصياغة رغم اعتراضنا _وللتاريخ كان هناك عدد من الرفاق والإخوة يشاركونني حماسي ومنهم الصديق “فيصل يوسف”؛ سكرتير حركة الإصلاح وآخرين حيث حينها كان ما زال عضواً قيادياً في الحزب الديمقراطي التقدمي_ وهكذا تم إمرار المشروع العنصري العروبي وأخيراً يمكنني القول: بأن بإمكان الجميع الوقوف على الحقائق التي أوردتها في هذه المقالة حيث أغلب تلك القيادات والحضور ما زالوا ضمن صفوف الحركة الكوردية وعلى رأس عملهم الحزبي والسياسي وأما بالنسبة لمن كتب وسألني؛ “.. لماذا لم تسجل موقفا تاريخيا ..ولماذا لم تتلقف الكلمة من المومأ إليه. .وتضع نقطة لإنهاء كلامه .. وتصرخ فيهم بملىء شدقيك ..وأنت كاتب لا يشق له عنان وتستطيع وضع النقاط على الأحرف .. كنت سجلت موقفا تاريخيا تنحني له الهامات”، فإنني أقول له التالي:

 

عزيزي يمكنك وبكل سهولة أن تتأكد؛ هل سجلت الموقف أم لم أسجل، بل يمكنك متابعة كتاباتي بتلك الفترة والمواقف التي سجلتها ودفعت الأثمان غالياً نتيجتها حيث أرجو أن تقف على الأمور والحقائق في يوم من الأيام .. وبالمناسبة طلبت من الكتلة الكوردية؛ أن ننسحب من المؤتمر وعندما لم ألقى الاستجابة منهم، طلبت من رفاقي بالحزب وضمناً الأخ “عبد الحكيم بشار” _حيث كنت ممثل البارتي عن محافظة حلب، كما قلت سابقاً_ بأن ننسحب ونعلق عضويتنا، لكن وللأسف هم أيضاً رفضوا وخرجت وقلت في أكثر من مقابلة ومنها إن لم تخني الذاكرة تلك التي كانت مع صوت ألمانيا حيث أجراها معي الصديق “تنكزار ماريني” وحينها قلت؛ بأنني سأعلق عضويتي في المجلس والبارتي لأن الحزب خذلني، لكن الملاحقات الأمنية أجبرتني أن أؤجل ذلك، لكي لا يقال بأنه قام بذلك خوفاً من الملاحقة الأمنية وبالتالي علق عضويته في “إعلان دمشق” والمجلس أو البارتي.

 

وللعلم أيضاً فقد أكدت على ذلك مجدداً في مقابلة أجراها معي الصديق “جهاد صالح” ابن القيادي الأستاذ “حسن صالح” حيث عمل هو الآخر مقابلة معي في بيروت وأنا في طريقي لإقليم كوردستان .. كما يمكن للجميع أن يقفوا ويسألوا أولئك الإخوة الذين حضروا الاجتماع التأسيسي للمجلس الوطني السوري عن مواقفي وسأكتفي بإجاباتهم ولن أزيد، رغم أن المسالة ليست مسألة شخصية بقدر ما هي حقوق شعب وكشف حساب لمواقف حركتنا الوطنية _الهشة والضعيفة_ بحيث أوصلتنا إلى أن يقول البعض الذي يعرف “لحم أكتافه من خيرات النظام” وهو اليوم يقود معارضة هزيلة، بأن “الأكراد ليس لهم شيء في سوريا وبأنهم قرباط” وغيرها من النعوت مع تقديرنا للإخوة القرباط ولكل المكونات، لكن ما نود قوله في آخر كلمة؛ بأن “ما تزرعه تحصده” وللأسف فإن الحركة الكوردية زرعت وكرست من خلال التوقيع على تلك الوثيقة؛ بأن ((لا قضية ولا جغرافية كوردية في سوريا وبالتالي لا شراكة وطنية)) وها نحن اليوم ندفع أثمان تلك السياسات الضعيفة وسوف نحتاج للكثير لتغيير هذه المعادلة الزائفة حيث معلوم للجميع ومن خلال الحقائق الجغرافية والتاريخ والواقع على الأرض؛ بأن الكورد أصحاب حق وقضية وجغرافية كوردستانية فيما تعرف بسوريا.

Comments (0)
Add Comment