نحو إعلام كوردي ديموقراطي

على أثر امتلاك الشركات العملاقة مختلف وسائل الإعلام من تلفزيونات وإذاعات وصحف ومجلات، وهي شركات ذات مصالح كبيرة في التعامل المالي والعلاقات الواسعة مع الحكومات على اختلاف سياساتها، ومنها الحكومات الاستبدادية والدكتاتورية والخاضعة للطغمة العسكرية في بلدانها، فإن آمال العاملين من أجل “الديموقراطية الإعلانية” قد انحسرت في إمكانية الاستفادة القصوى من الإعلام الالكتروني الحر وشبكات التواصل الاجتماعي التي تفتح – لحد الآن – أبواب النشر لكل الناس أو لفئات واسعة منهم، إلاّ تلك الشبكات التي تخضع لمراقبةٍ شديدة في الدول ذات النظم المعادية لحرية الرأي والفكر، حيث تستطيع فرض قيودٍ عديدة على عمل هذه الشبكات لديها. وهذه القيود والموانع لا تصيب العاملين من أجل “الديموقراطية الإعلامية” باليأس، بل تزيدهم إثارة واهتماماً بالعمل الجاد لإزالة كل العوائق وتحرير الإعلام من سيطرة القوى والمجموعات التي نريده أن يكون سلاحاً في أيادي المستبدين أعداء الإنسانية.

الديموقراطية الإعلامية:

هي مجموعة الأفكار التي من شأنها إحداث “الإصلاح” في الإعلام ونشره وبثه تطويره وتوسيع دائرة “إعلام الشارع” لكل الناس، وتعزيز الديموقراطية فيه، بهدف بناء “الإعلام البديل” لما هو موجود وفق تنظيمات وتشريعات ووسائل تمتلكها الخاصة وليس عامة الناس، وذلك بهدف نشر الوعي الديموقراطي وتعزيزه في المجتمع، فالإعلام يلعب دوراً عظيم الشأن في بناء الديموقراطية، وفي رضوخه للشريحة المستبدة عرقلة لتشييد الصرح الديموقراطي الإنساني.

إن الشركات المالكة لوسائل الإعلام تقوم بعملية فلترة مستمرة للأخبار والتقارير بهدف إيصال ما تريده أو ما تريده النظم السياسية التي تساندها وتدعمها مالياً إلى المواطنين، كما تجنّد من هو مستعد لخدمة أهدافها وتقوية ميزانياتها الخاصة، في حين تحرم الملايين من المواطنين من المشاركة الفعالة في توسيع نطاق العمل الإعلامي وتركّز على تدريب الإعلاميين التابعين لها وتقنين الوسائل المادية، وبذلك لا نرى “إعلاماً ديموقراطياً” وإنما “إعلاماً تابعاً” لفئةٍ معينة حاكمة هدفها الاستمرار في التحكّم بالمجتمع أو هدفها الربح المالي فقط، وقد تتفق الفئتان أو تتداخل دوائرهما السياسية والمالية في بعضهما بعضاً، بحيث تتحولان إلى فئة استبدادية واحدة.

لذا تسعى الديمقراطية الإعلامية لتحقيق استبدال النموذج الإعلامي الحالي بآخر يعمل وفق أسس ديمقراطية عوضاً عن العمل من أجل هدف تحقيق الربح فقط والسيطرة على عقول البشر، وكذلك تقوية خدمة البث العامة، وتوسيع نطاق الصحافة الشعبية العامة، وتحويل الجماهير من عناصر متلقية إلى عناصر فعالة ومساهمة في الإعلام، وتعزيز المثل والأفكار الديموقراطية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي القائم على العدالة بين الشعوب جميعاً.

وهناك منظمات وهيئات حقوقية وإعلامية عديدة في العالم الحر الديموقراطي مثل “مؤسسة ميديا أكسس بروجيكت ” في الولايات المتحدة التي تعمل من أجل “حماية حرية التعبير وترويج إمكانية الوصول العالمية والعادلة للمنافذ الإعلامية وخدمات قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية و[تشجيع] الحوار العام الحيوي حول القضايا الهامة التي تواجه المجتمع” و”أوݕن ميديا” في كندا التي “تشجع ديمقراطية الإعلام عن طريق تشجيع أنظمة التواصل المفتوح عبر الحملات والأحداث والورش عبر الإنترنت.”

الإعلام الكوردي:

لدي في أرشيفي الخاص، مئات النسخ الالكترونية من الجرائد والمجلات الكوردية التي صدرت منذ أن جرت الثورة الالكترونية في المجال الإعلامي، إضافةٍ إلى ما جمعته من المنشور كلاسيكياً، خلال الثلاثين سنة الماضية، وجزء آخر اعطيته لأخٍ يجمع ما نشره الكورد في أوروبا من صحف ومجلات، ومع الأسف فإن الغالبية العظمى من هذا الإنتاج الهائل صادر عن أحزاب أو جمعيات تابعة لأحزاب، والقليل منها صادر عن أشخاص ذوي اهتمامات إعلامية بحتة، أو أن الإصدار الإعلامي لديهم أهم من الإعلام الحزبي فعلاً. وهذا يعني أن إعلامنا الكوردي الذي يتطور كماً وكيفاً من خلال افتتاح أقنية تلفزيونية عديدة ومحطات راديو كثيرة، لايزال ملتزماً بخطوط سياسية معينة ذات ألوان مختلفة من الأفكار والآيدولوجيات والولاءات. وعليه فإن دمقرطة الإعلام الكوردي مشكلةٌ كبيرة أيضاَ لا يقل حلها أهميةً عن تقليل عدد التنظيمات السياسية التي تمارس استبداداً بالرأي الآخر وتعرقل النمو الديموقراطي للوعي الكوردي.

إن وظيفة الإعلاميين الكوردستانيين تكمن في النضال قبل كل شيء من أجل تحرير الإعلام الوطني من قبضة الأحزاب والمنظمات التابعة لها، أو تخفيف سطوتها على الإعلام من خلال عملٍ احترافي لا يقبل المساومة مع الحزبية الضيقة، وببناء الإعلام البديل لما هو منظّم ومقيّد وخاضع حزبياً وتعميق الوعي الديموقراطي والعمل الديموقراطي في أجهزة الإعلام، وهذا يستدعي إيجاد منظمة كوردستانية إعلامية ديموقراطية بكل معنى الكلام.

والنضال في هذا المجال لايزال في بدايته…

جان كرد

Comments (0)
Add Comment