من آستانة إلى جنيف!

سميرة مسالمة – المدن

وصلت المفاوضات السورية بين النظام والمعارضة، في مسار جنيف، إلى جولتها السادسة  رغم عدم الوصول إلى أية اتفاقات، أو تفاهمات، في الجولات السابقة، ورغم مرور عدة أعوام على إطلاق هذا المسار، في البيان الذي وقع عليه الأطراف الدوليون والإقليميون (2012). في المقابل وصلت المفاوضات في مسار “آستانة”، التي تتركّز على الوضعين الميداني والعسكري، والتي بدأت في مطلع هذا العام، إلى جولتها الخامسة (ستعقد في تموز القادم).

 

هذا يفيد بأننا إزاء مسارين تفاوضين، يفترض أن لكل واحد منهما وظيفته، إلا أن تجاذبات القوى المعنيّة، أي الدولية والإقليمية، تحاول أن تفرض أو تعزّز مسار “آستانة” بدل مسار جنيف، أو على حسابه، وهذا ما تبدّى مؤخّراً في اتفاق الدول الثلاث (روسيا وإيران وتركيا)، حول ما يسمى “المناطق منخفضة التصعيد. ويمكننا ملاحظة ذلك من الاعتبارات الآتية:

 

أولاً، يستهدف مسار “استانة” الالتفاف على استحقاقات بيان جنيف 1 وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، التي تتحدث عن مصير بشار الأسد، سيما بعد النقلة الأمريكية، مع الإدارة الجديدة، التي أعادت هذا الملف إلى صدارة الاهتمام، إثر هجمة الكيماوي في خان شيخون، والقصف الأمريكي لمطار الشعيرات (الشهر الماضي)، مع إدراكنا أن لكل دولة موقعة على الاتفاق المذكور توظيفاتها الخاصة له.

 

ثانياً، لأن مسار “آستانة” يجعل مصير سوريا بيد الدول الثلاث الراعية أو الضامنة، أي روسيا وإيران وتركيا، أكثر من أي أحد أخر، دون أن يعني ذلك التحرر من نفوذ الولايات المتحدة، لأنها ستحظى بنصيبها بحكم قدراتها، ونفوذها في الإقليم، وأيضا، بحكم أوراق الضغط التي تمتلكها إزاء الدول الثلاث ذاتها، ولأن هذه الدول ليست على اتفاق كامل في شأن مستقبل سوريا.

 

ثالثاً، إن هذا الترتيب يريح النظام، لأنه يحيّد تركيا من مسألة إسقاط الأسد، ولو مرحلياً، في مقابل الاعتراف بنفوذ لها في المناطق الحدودية، كما يمكنه ذلك من قضم مناطق من المعارضة، ما يفسر ارتياحه للاتفاق، كما يفسّر ذلك محاولته التحرك في المنطقة الشرقية، نحو دير الزور، لتوسيع هامشه، وأيضاً للحفاظ على الخط الحدودي المفتوح، من العراق حتى طهران، وبالعكس إلى لبنان، وهذا ينضوي أيضا في إطار استراتيجية إيران، التي تحاول تعزيز حصتها في البازار السوري، مقابل روسيا وتركيا.

 

في المقابل يبدو أن الدول الكبرى الفاعلة في الملف السوري أرادت تدارك هذا الخلل، الأمر الذي أدى إلى التعجيل بجنيف 6، ولعل ذلك يفسر كلام المبعوث الأمريكي، الملتبس، عن أنه “لولا اتفاق آستانة لما كانت مفاوضات جنيف”.

 

إزاء جولات جنيف أو آستانة، التي مضت أو التي ستأتي، علينا في المعارضة السورية أن نصارح أنفسنا، وأن نشتغل من واقع ادراكنا أن المفاوضات الجارية لن تقدم شيئاً، وأنها مجرد علاقات عامة، أو بمثابة منابر أعلامية، وهذا ما عبر عنه صراحة بشار الأسد، لأنه يعرف حدود وفده المفاوض ويدرك التزام رئيسه بشار الجعفري بمهمة تعطيل المسارات، وفوقها فهو يعرف بأن القوى الخارجية هي التي تتحكم بمعادلة الصراع السوري، وأنه هو ذاته بات فاقداً السيادة، أمام روسيا وإيران اللتين تتحكمان بالقرار السياسي والميداني.

 

السؤال الذي يجب طرحه، أيضاً، على المعارضة هو: هل كانت حقا تجري مفاوضات في جنيف وآستانة؟ وهل حقاً كانت تملك التقرير في أي جانب من جوانب، أو سلال (بحسب تعبير ديمستورا) العملية التفاوضية؟

 

مع أهمية الانخراط في المفاوضات كمجال مهم لإثبات المعارضة لذاتها، “كممثل للسوريين”، وكضرورة لمواكبة الجهود الدولية، إلا أن على “المعارضة” أن تدرك حدود دورها، وأن تعمل على توسيع هامش هذا الدور، متجاوزة خلافاتها الداخلية التي تشكل هي الأخرى عبئاً على مسار التفاوض، وخاصة في ما يتعلق بحقوق الكرد، لا أن تستكين لذاك الدور الهامشي المرسوم لها، فالسوريون في صراع طويل ودامٍ، يتحكم الأطراف الخارجيون بمساره وبمصير بلدهم وشعبهم.

 

المتوقع أن يحظى اتفاق آستانة (تخفيض التصعيد) بالاهتمام في مفاوضات جنيف 6، وأن يسعى وفد النظام لتثبيته، ووضعه على رأس سلم المفاوضات، في حين سيقوم وفد المعارضة بتأكيد البحث على مسائل الانتقال السياسي، ووقف القصف والتهجير وباقي المسائل الإنسانية.

 

في هذه الجولة التفاوضية، في جنيف، سنكون مجددا أمام تجاذبات إعلامية لا أكثر، من النظام والمعارضة، أي لا مفاوضات، وتاليا لا اتفاقات، بانتظار أن تحسم الأطراف الدولية، ولاسيما الإدارة الأمريكية الجديدة، موقفها، لأنه من دون ذلك ستبقى سوريا ساحة للصراع الدولي والإقليمي، وسيبقى النزيف السوري، داخل”المناطق منخفضة التصعيد” وخارجها.

Comments (0)
Add Comment