هوشنك أوسي – الحياة
فجر يوم الثلثاء 25/4/2017، شنّ الطيران التركي هجوماً عنيفاً على مقر قيادة «وحدات الحماية الكردية» (الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديموقراطي: فرع العمال الكردستاني في سورية)، في قرية قره تشوخ على الحدود بين كردستان سورية وكردستان العراق. وذكرت «الوحدات الكرديّة» وقتذاك أنها فقدت فقط 20 مقاتلاً ومقاتلة، فيما ذكرت لي مصادر خاصّة «أن حجم الضحايا كان أضعاف هذا الرقم». وكعادته، أعلن الحزب الأوجلاني السوري عن أسماء الضحايا تباعاً، على أنهم سقطوا في جبهات أخرى، وليس في القصف الجوّي التركي على قره تشوخ. ذلك أن الحزب لا يكذب إعلامه مطلقاً، إذا قال 20 ضحيّة، فهذا يعني 20 ضحيّة، لا غير! وفي محاولة لطمأنة جماهيره، نشر الحزب فيديوين، الأوّل لضابط أميركي في مكان الحدث، وحوله جمهور كرديّ مندد وغاضب، يتوسّل الدعم والحماية الأميركيّين أيضاً! وظهر في هذا الفيديو القيادي البارز في العمال الكردستاني شاهين جيلو (من كوباني) واقفاً إلى جانب الضابط الأميركي، ولم يحرّكه منظر النسوة الكرديّات المسنّات وهنّ يتوسّلن ذاك الضابط كي يخبر إدارته بضرورة تأمين حماية للمنطقة وللمقاتلين الكرد.
أمّا الفيديو الثاني فكان منظر ثلاث عربات عسكريّة أميركيّة، عليها العلم الأميركي، تجوب بعض المدن الحدوديّة، في إشارة إلى أن «تحالف الأميركيين مع الحزب الأوجلاني مستمرّ، وأن أميركا ستردع تركيا عن ارتكاب أي هجوم آخر، وأن المنطقة تحت الحماية الأميركيّة إلخ…». لكن كل ذلك كان للاستهلاك المحلّي، الكردي، لا أكثر. بدليل أنه لم يصدر عن أي مسؤول أميركي عسكري أو سياسي في البنتاغون أو الخارجية أو البيت الأبيض، بيان أو تصريح يندد بالهجوم التركي. كما استمر القصف التركي على المناطق الكرديّة الحدوديّة من دون أي رادع أميركي!
مناسبة ما سلف ذكره حملة التسفيه التي مارسها حزب الاتحاد الديموقراطي بحق السفير الأميركي السابق روبرت فورد على خلفية تصريحاته الأخيرة التي انتقد فيها بلاده بشدّه، وحاول لفت انتباه الكرد إلى احتمال غدر لأميركا بهم. فقد قال فورد: «وسيذهب (نظام الأسد) إلى القامشلي ويعقد اتفاقاً مع إيران وتركيا لتدمير الأكراد. هل تعتقد أن الأميركيين سيحاربون في القامشلي؟ هل سمعت مسؤولاً أميركيّاً أو قرأت تصريحاً أميركيّاً يقول: سندافع عن «غرب كردستان» بعد هزيمة «داعش»؟ هل هذا بالصدفة؟ لن يدافعوا عن الكرد ضد قوات الأسد. يستخدمون الكرد لتحرير الرقة من «داعش» فقط. لذلك، أعتقد أن ما نقوم به مع الأكراد ليس فقط غباءً سياسياً، بل غير أخلاقي. الأميركيون استخدموا الأكراد لسنوات طويلة خلال حكم صدام حسين. هل تعتقد أن الأميركيين سيعاملون «الاتحاد الديموقراطي» و «وحدات حماية الشعب» بشكل مختلف عما عامل هنري كيسنجر الأكراد العراقيين. بصراحة، مسؤولون أميركيون قالوا لي ذلك. الأكراد السوريون يقومون بأكبر خطأ لدى ثقتهم بالأميركيين. إن المسؤولين الأميركيين يستخدمون الكرد بطريقة تكتيكية وموقتة، ولن يستخدموا الجيش الأميركي للدفاع عن «غرب كردستان» كإقليم مستقل في مستقبل سورية».
هذا الكلام المهم والخطير كان ينبغي أن يكافأ عليه فورد من «الاتحاد الديموقراطي». لكن الأخير شاء أن يقنع نفسه وجماهيره بأنه على صواب، وأنه ليس مجرّد أداة بيد أميركا. هكذا ردّ مسؤوله آلدار خليل على فورد في موقع «إيلاف»، واصفاً إيّاه بأنه «فاشل في عمله»، وأن «عليه الاعتراف بذلك»، وأن قراءة فورد «لمسار الأحداث تنم عن جهل باستراتيجيات العمل». وأضاف: «بخصوص الموقف الأميركي، فهذا شأنهم، ولكن نحن من جهتنا ليس لدينا ما نخسره، إن فعلوا ذلك، فنحن تحالفنا، واستفاد الجميع من هذا التحالف، الذي تم ضد داعش، فحتى لو جرى ما يتوقعه هو (فورد)، فسنكون قد كسبنا بأننا عملنا معاً لدحر داعش، وهذا إنجاز فيه فائدة للجميع». تزامن ذلك مع حملات على الفايسبوك لأنصار «الاتحاد الديموقراطي» حتى أصبح فورد «ملطشة» لكل من هبّ ودبّ، وأنه «فاشل» و «جاهل»… خطورة تصريحات فورد الأميركي تتجاوزها في الشدّة وتعاكسها في الاتجاه خطورة ردّ فورد الكردي (آلدار خليل)، لجهة الاستهتار ليس فقط بإشارات تصريحات فورد، بل للاستهتار بما حققه «الاتحاد الديموقراطي» من سلطة ومكتسبات على الأرض، التي لطالما صدّع الرؤوس بمدحها وتخوين منتقديها، بوصفها حصيلة دماء آلاف الشهداء والشهيدات.
… من خلال ردّ خليل وقياس مستوى الضحالة والإسفاف، يمكن أن يرى العالم محنة الشعب الكردي في سورية.