من أسرار “دولة” حزب العمال الكردستاني

هــوشــنك أوسـي

 

بين 2009-2010 كنت في تركيا، هارباً من سوريا لأسباب معروفة يطول شرحها. وقتذاك كنت مؤيّداً لحزب العمال الكردستاني وأدافع عنه بقوّة. أثناء تواجدي في اسطنبول كانت علاقتي مع محاميي السيد عبدالله اوجلان جيّدة، وبدأت باللقاء الأوّل مع المحامي عرفان دونار في حي تقسيم. الرجل، بعد أن قرأ مقالتي المنشورة في جريدة “راديكال – RADIKAL” التركيّة في يوم 10/9/2009، بعنوان: “الكرد ليسوا أثراً آركولوجيّاً (Kürtler arkeolojik eser değildir!) اتصل بي، وأراد ان نلتقي، ربما كي يعرف من هو هذا: الكاتب الكردي السوري الذي كتب ذلك المقال في تلك الجريدة التركيّة؟.

 

والحاصل، التقينا وتعارفنا وتحدثنا كثيراً. ومن ضمن ما ذكره لي أنه سيرسل المقال إلى أوجلان في سجن إيمرالي. طبعاً، كنت مسروراً أن مقالي لاقى إعجابه، وأنه سيرسلها إلى الزعيم أوجلان في سجنه. وبالفعل، بعد مضي شهر أو أكثر، ذكر أوجلان في إحدى تصريحاته ذلك المقال، وأشاد به. وقتها، صار هوشنك أوسي مشهوراً في الاوساط الاعلاميّة الكرديّة في تركيا، ليس لأنه يكتب في “آزاديا ولات” مقالاً أسبوعيّاً، أو أن صحيفة “الحياة” تنشر له، بل لأن أوجلان مدح مقاله. بعدها، تمت دعوتي إلى مكتب محاميي أوجلان، في نهاية شارع الاستقلال، وتعرّفت على محامين آخرين منهم: إبراهيم بيلماز وعمر غونيش. كذلك كانت تربطني علاقة مودة واحترام مع الكاتب والصحافي والناطق باسم مكتب محاميي أوجلان: جنكيز كباماز. في ذلك الوقت، نشرت صحيفة “طرف” التركيّة خبراً مفاده؛ “إن محاميي أوجلان يمارسون الرقابة على تصريحاته، ولا ينشرونها كاملةً للرأي العام. ثمة ما يتم إخفاؤه من تصريحات أوجلان، عن الكرد والرأي العام”. ذلك الخبر، أحدث ضجّة وبلبلة في الأوساط الكرديّة المواليّة للعمال الكردستاني في تركيا، إذ كيف يتم منع أجزاء من تصريحات الزعيم الكردي أوجلان عن جماهيره؟!. في حين العمال الكردستاني، قياماً وقعوداً، يتحدّث عن الشفافية والصراحة وعدم إخفاء شيء عن الشعب، وأنه هنالك علاقة قوية بين القائد والشعب…الخ؟، وصار الناس يتساءلون: ترى ما الذي يتم إخفاؤه عنّا؟ ولماذا؟!.

 

وقتذاك، كان العمال الكردستاني، ينظر بعين العداء إلى جريدة “طرف” على أنها اليد الخفيّة لحزب العدالة والتنمية التي تضرب بها العسكر والعمال الكردستاني على حدّ سواء. من جهة أخرى، العديد من الصحافيين الآبوجيين الذين عملوا في وكالة دجلة (DIHA) للانباء، وجريدة “أوزغور غوندم” صاروا يعلمون في “طرف”، كالصحافيين: برهان إيكنجي، وكورتولوش تايز (قضي 10 سنوات في السجون التركية باعتباره من كوادر العمال الكردستاني. وبعد خروجه من السجن، عمل لفترة في جريدة اوزغور غوندم، ثم ابتعد عن الحزب. وحالياً يكتب في جريدة آكشام التركيّة).  اتصل بي محامو اوجلان لأمر عاجل، وطلبوا منّي الحضور إلى مكتبهم. فعلت ذلك، ورأيت أن هنالك ضيف قادم من الموصل – العراق، هو المحامي والاستاذ الجامعي د. سفيان عباس. وكان وجودي في المكتب لغرض الترجمة من العربيّة إلى الكرديّة وبالعكس. وأعتقد أن الاستاذ سفيان كان ضمن فريق المحامين الذين ترافعوا عن منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانيّة، وأخرجوها من لائحة المنظمات الإرهابية في أوروبا. الرجل كان يريد أن يصبح من ضمن الفريق المدافع عن أوجلان مجّاناً. وبل طرح أفكاراً في غاية الأهميّة، سآتي على ذكرها لاحقاً. أثناء الاجتماع، أنا وسفيان عبّاس وثلاثة محاميين آخرين، وكان المحامي عمر غونيش المكلّف من قبل المكتب بالحديث لأنه يجيد الكرديّة بطلاقة، رنّ موبايل غونيش، فخرج من الاجتماع، وبعد بضعة دقائق، عاد وصار يتحدّث بالتركيّة إلى زميله. ورغم أنني لا أفهم كثيراً اللغة التركيّة، إلاّ أنني فهمت أن الحديث كان عن صحيفة “طرف” والخبر الذي نشرته، المذكور آنفاً، وان الصحيفة اتصلت به كي تأخذ تصريحاً أو تعليقاً حول الخبر. فسألته: “هل الخبر الذي نشرته “طرف” صحيح؟”. ابتسم وردّ عليّ: “هل تعرف التركيّة؟”. أجبته: “لا. ولكن فهمت أن الحديث يدور حول ذلك. لذا، سألتك”. أجابني عمر غونيش: “نعم. الخبر صحيح. هنالك ما نحذفه من تصريحات السيد أوجلان. وهذا ما قلته لصحيفة “طرف” الآن أيضاً. وسألتهم: ألا يوجد في تركيا شيء أسمه اسرار الدولة التي ينبغي ألا تكشف لأحد؟. نحن أيضاً نتعامل مع أجزاء من تصريحات أوجلان على أنها أسرار دولة، لا ينبغي أن نكشفها أحد”. استغربت من ردّه. واعتقد ان صحيفة “طرف” نشرت تأكيد غونيش على أن هنالك رقابة على تصريحات اوجلان، وانه يتم حذف اجزاء منها، ولا تصل للشعب والرأي العام. وان محامي اوجلان يبررون ذلك على انه من “أسرار الدولة. وأنهم ليسوا مجبرين على كشف كامل تصريحات أوجلان للرأي العام”. وطبعاً، غونيش كان يقصد دولة حزب العمال الكردستاني وليس الدولة التركيّة.مؤخّراً عرفت أن ما يتم حذفه من تصريحات أوجلان، كان وما زال بأمر من قيادة الحزب في جبال قنديل، لأن تصريحات اوجلان تذهب إلى هنالك، وقيادة الحزب تحدد ما يجب نشره، وما يجب إخفاءه عن الناس وعدم نشره. كذلك عرفت أن ما يحذف من تصريحات أوجلان، جزء منه يتعلّق بانتقاداته الشديدة لقيادة الحزب في قنديل.

 

بالعودة إلى قصة المحامي سفيان عبّاس، الرجل أتى من الموصل إلى اسطنبول كي يعرض خدماته القانونيّة وتجربته وخبرته ضمن فريق الدفاع عن منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانيّة في خدمة مكتب الدفاع عن أوجلان. وخلال ثلاث اجتماعات مطوّلة شرح عبّاس لمحاميي أوجلان نظام محكمة الجنايات الدوليّة، ودستورها والقضايا التي تقع تحت اختصاصاتها، وذكر أنه لا يفهم لماذا حتى الآن، لم يرفع حزب العمال الكردستاني دعوى على تركيا امام هذه المحكمة؟، ويحاصر ويحارب تركيا قانونيّاً، بدلاً من الحرب وإراقة الدماء، أو بالتوازي مع استخدام البندقيّة يكون هنالك جبهة قانونيّة دوليّة مفتوحة على النظام التركي؟!. وأوضح عبّاس انه هنالك أطنان من الوثائق والادّلة التي تدين تركيا امام هذه المحكمة: حرق ما يزيد 4000 قرية، وتهجير ما بين 3 الى 4 مليون كردي إلى المدن الكبرى، 17 الف جريمة اغتيال سياسي مقيّدة ضد فاعل مجهول، اكثر من 10 الاف سجين سياسي، جرائم منظمة (JITEM) جرائم منظمة (ERGENEKON)، إنكار وجود الشعب الكردي في تركيا…، حتى أن جريمة اختطاف أوجلان، تعتبر جريمة حرب، يمكن محاسبة تركيا عليها. فلماذا يترك محامو أوجلان هذه الجبهة القانونيّة الجد مهمة، ساكنة ودون حراك؟!. وعرض سفيان عبّاس طريقة وآليات تشكيل فريق من المحاميين للدفاع عن حزب العمال الكردستاني، كيف يرفعوا دعوى على الدول الأوروبية بهدف إخراج الكردستاني من لائحة المنظمات الاوروبيّة ايضاً، تماماً كما فعلوا مع منظمة “مجاهدي خلق”التفتُ إلى عمر غونيش وتحدّثت معه بالكرديّة: “هفال عمر، هذا الرجل يتحدّث كلاماً في غاية الأهميّة والخطورة. لماذا لم تفعلوا ذلك حتى الآن؟ لماذا لم ترفعوا دعوى على تركيا امام الجنائيّة الدوليّة؟!”. ابتسم غونيش وقال: “نحن أيضاً محامون، ونعرف ونفهم كل ما قاله هذا المحامي. ولكننا لن نفعل ذلك”. سألته لماذا؟ ولمصلحة من؟. أجاب: “هذه أيضاً من أسرار الدولة”. طبعاً، كان يقصد دولة حزب العمال الكردستاني!. ثم طلب منّي غونيش أن اخبر المحامي سفيان عبّاس بأنهم مسرورون بالتعرّف عليه والتعاون معه، ويشركونه على زيارته وخدماته. وحال وصوله إلى الموصل، سيرسلون كل الوثائق اللازمة بهذا الخصوص. ولكن، فهمت من غونيش أن هذا الوعد، هو مجردّ كلام، فقط كي يعود الرجل من حيث أتى، لا أكثر.

 

بعد مضي شهر، راسلني الاستاذ سفيان على الايميل، (ما زلتُ محتفظاً برسالته) متسائلاً عن سبب تأخّر إرسال محاميي أوجلان الوثائق له، كما اتفقنا؟!. وكرر رسالته. وصرت أخجل منه. ماذا أقول للرجل؟. هل أقول أنهم كذبوا عليه، وأنه لن يرسلوا له شيء؟!. وأنهم يرفضون رفع دعوى على تركيا أمام المحكمة الجنائيّة الدوليّة لأسباب مجهولة؟!.

 

بالنتيجة، أكرر طرح السؤال الذي طرحته على عمر غونيش قبل ست سنوات: لماذا لا يرفع حزب العمال الكردستاني دعوى على الدولة التركية امام محكمة الجنايات الدولية؟…. العمال الكردستاني صرف ملايين اليوروهات على دعاوى قنواته التلفزيونيّة امام المحاكم الاوروبية. في آخر دعوى مرفوعة على قناة (ROJ TV) امام المحاكمة الدنماركيّة، قبل إغلاقها تماماً، دفع العمال الكردستاني ما يزيد 700 ألف يورو غرامة، عدى عن أجور المحامين. ناهيكم عن اتعاب المحامين بخصوص دعوى أوجلان امام محكمة حقوق الانسان الأوروبية. لماذا لم يرفع الكردستاني دعوى على تركيا امام الجنايات الدولية، طالما ان الحزب يتهم تركيا بارتكاب جرائم حرب، واستخدام الكيماوي، وحرق آلاف القرى، وتهجير الملايين…؟!. لماذا لم يستخدم العمال الكردستاني هذه الورقة ضد تركيا، كما فعل الفلسطينيون ضد إسرائيل وأريال شارون؟. ما الذي يمنع أو من الذي يمنع الكردستاني من القيام بذلك؟. هل هو أوجلان الموجود في قبضة الاتراك؟ ام قيادة الحزب في قنديل؟، أم ان الحزب لا يمتلك الادلة على كل اتهاماته للدولة التركيّة؟!. أم أن الحزب نفسه متورّط في جرائم حرب خلال فترة الصراع الممتدة منذ 1984 وحتى الآن؟. وطالما أن الكردستاني يتهم إقليم كردستان العراق وكل من ينتقد الحزب وقيادته بانه عملاء لتركيا وخونة، لماذا لم يقاضي حتى الآن أنقرة امام محكمة الجنايات الدولية حتى هذه اللحظة؟. لماذا؟!. وإذا كان التكتّم على إجابات هذه الاسئلة سرّ من “أسرار دولة” العمال الكردستاني بهذا الخصوص والذي أشار إليه عمر غونيش، فمتى سترفع عنها السريّة عن هذا الأمر؟.

جميــع المقــالات المنشــورة تعبــر عــن رأي كتـابهـا ولا تعبـــر بالضــرورة عــن رأي Yekit

Comments (0)
Add Comment