عبد الباسط سيدا
بالتزامن مع المتغيرات الميدانية، وبناء عليها -وهي متغيرات تأتي في معظمها لصالح حلف النظام، نتيجة أسباب موضوعية وذاتية، لسنا في صدد التفصيل فيها هنا- تُطرح العديد من المبادرات. ويأتي ذلك بهدف ترتيب مناخ سياسي، يغلّف المصالح والتوجهات المكشوفة للقوى الإقليمية والدولية المنخرطة في العمل العسكري ضمن الساحة السورية، وتلك التي تراقب الوضع عن بعد، ولكنها معنية من دون شك بالتطورات والمآلات التي ستكون.
فهناك دعوة للقاءٍ جديدٍ في أستانا، الهدف منه متابعة التوافقات التي كانت بين كلٍّ من روسيا وإيران وتركيا، وربما دول أخرى ستنضم إلى النادي الروسي. ومن المتوقع أن يبحث هذا اللقاء في الخرائط والتفاصيل الميدانية الجديدة، بهدف الحد من فاعلية ما بقي من الفصائل العسكرية، التي لم تتمكّن -على الرغم من كل المشاريع المعلنة- من توحيد قياداتها ومواقفها؛ فظلّ كل فصيل يبحث عن موقعه ومستقبله، وكانت النتيجة التآكل المستمر من الداخل، وانكماش الدور، ومحدودية الخيارات.
إلى جانب أستانا، هناك دعوة من المندوب الأممي دي ميستورا لعقد لقاء عقيم آخر، في جنيف نهاية الشهر القادم. لقاء يعلم الداعي إليه، قبل أي شخص آخر، أنه لن يؤدي إلى شيء؛ وإنما سيكون مجرد خطوة توحي بوجود جهد أو مسارٍ ما، يرمي إلى حل مقبول للوضع السوري، ولكنه لن يتجاوز دائرة إيحاءات الحمل الكاذب، والتعمية التي تستهدف الإلهاء، وتحويل الأنظار، ريثما يتم ترتيب الأوضاع الميدانية بما يتناسب وتوافقات الفاعلين الدوليين على وجه التحديد.
في المقابل، هناك حديث قوي حول احتمالية انعقاد مؤتمر الرياض 2، في مسعى للتقريب بين وجهات نظر مختلف مجموعات المعارضة. وذلك بعد أن تمكّن دي ميستورا، بضغط روسي، من إحداث اختراقات في صفوف الهيئة العليا للمفاوضات ووفدها المفاوض؛ وألزمها بأخذ كل من منصتي موسكو والقاهرة بعين الاعتبار. والذريعة هي أن القرار الدولي 2245 يدعو إلى ذلك. هذا مع معرفة الجميع بأن خطوة كهذي من شأنها تفجير الأوضاع ضمن صفوف المعارضة، وعلى خلاف ما يروّج من مزاعم تدّعي الحرص على توحيد الموقف المعارض. وهناك خشية من أن خطوة كهذه قد تُستغل من قبل الروس تحديدًا، عبر المقربين منهم في المنصات المختلفة، لتجاوز بيان الرياض 1، الذي يطالب بعملية انتقالية سياسية جدية، لا يكون لبشار الأسد أي دور فيها.
أما المشروع الآخر اللافت المطروح روسيًّا هذه الأيام، فهو يتمثل في الدعوة إلى مؤتمر “الشعوب السورية” الذي من المتوقع أن ينعقد قريبًا في قاعدة حميميم الروسية، أو ربما في مطار دمشق، والغاية منه فرض التصور الروسي للحل في سورية، عبر استثمار الركود الذي يتسم به الدور الأميركي، الركود الذي يثير أكثر من تساؤل.
من الواضح، أن الروس يعملون بكل طاقاتهم لاستغلال نتائج تدخلهم العسكري في سورية، وتمكنهم من السيطرة على مناطق واسعة، وذلك في سبيل فرض حل يتناسب مع حساباتهم، وأهدافهم الآنية والمستقبلية. وقد أجروا، من أجل عقد المؤتمر المشار إليه، الاتصالات مع الكثير من الفصائل والجهات السياسية السورية، ومع قسم من الفعاليات المجتمعية من مختلف المكونات.
السؤال الذي يفرض نفسه على أي متابع مراقب للوضع، إلى جانب المعارضين المتفاعلين مع ما يجري، هو: هل هناك من خيط ناظم يربط بين كل هذه الفعاليات المرتقبة؟ أم أننا نواجه صيغة من التنافس بين تصورين متباينين، يخصّان كلًا من روسيا والولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من العديد من المؤشرات التي توحي بوجود حالة من التوافق والتفاهم بينهما؟ الأمر الواضح هنا هو أن مسار أستانا يتكامل مع مشروع مؤتمر “الشعوب السورية” الذي تحدث عنه الرئيس الروسي بوتين.
أما في ما يتصل بجنيف والرياض، فالمسائل ليست واضحة بعد. لا سيما بعد إعلان الرئيس الأميركي ترامب عن استراتيجيته الخاصة، بمواجهة ممارسات النظام الإيراني وأدواته في المنطقة، والتأييد السعودي العلني القوي لتلك الاستراتيجية. هذا إلى جانب تصريحات الوزير تيلرسون التي دعا بموجبها إلى إنهاء حكم عائلة الأسد، والمحافظة على وحدة سورية، من دون أي دور لبشار الأسد في العملية السياسية المنشودة.
هل سيتقاطع مؤتمر الرياض 2، بناءً على التفاهمات الدولية الإقليمية، مع المساعي الرامية إلى إضعاف مواقف المطالبين بإنهاء أي دور لبشار الأسد، سواء في المرحلة الانتقالية أم في تلك التي ستليها؟ وبالتالي إعطاء المزيد من الدور لأولئك الذين لا يخفون قبولهم بدورٍ ما لبشار الأسد، تحت شعار الواقعية السياسية، ومبدأ: “لا غالب ولا مغلوب”.