صالح القلاب
الآن، وبعد هذه التطورات كلها، وأولها ما يقال عن اقتراب القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي، وفرار “خليفته” الذي يشبه مسيلمة الكذاب إلى سورية، ملتحقاً بـ “حاضنته” الفعلية والحقيقية هناك، فإن ما يجب أن يقال لـ”أصدقائنا الروس”, ورُبَّ عدوٍّ ليس من صداقته بُدٌّ، هو أنّ عليهم أن يراجعوا كل حساباتهم، وأن يضعوا حداً لتدخلهم الشائن فعلاً في الشؤون الداخلية السورية، وأن يوقفوا كل ما بقوا يفعلونه منذ غزوهم… نعم “غزوهم العسكري” لهذا البلد العربي في سبتمبر عام 2015 وقبل ذلك.
لقد قالت وزارة الدفاع الروسية، في آخر بيان لها، إن العمليات العسكرية في سورية قد أسفرت خلال العامين الماضيين عن مقتل خمسة وأربعين ألف “مقاتل”، وبالطبع فإن هؤلاء ليسوا من تنظيم “داعش” الإرهابي، ولا من جيش النظام السوري، ولا من مقاتلي المعارضة السورية أيضاً، ولكن من أبناء الشعب السوري الذين تقطعت بهم السبل، والذين لا تزال القاذفات الروسية الاستراتيجية تمطرهم بالصواريخ والقنابل المدمرة والمحرمة دولياً، بحجة أنهم من إرهابيي تنظيم “النصرة”… والمعروف من هي هذه “النصرة” ومن الذين اخترعوها ومن الذين يمولونها و”يصرفون” عليها!
المؤكد أن الروس يعرفون أن العرب كلهم، بلا استثناء، يريدون قربهم، ويريدون علاقات مصالح مشتركة معهم، لكن ما مِنْ المفترض أنهم يعرفونه أيضاً أن موقفهم الشائن هذا مما يسمى “الأزمة السورية” يشكل حاجزاً كبيراً بين الإنسان العربي العادي، ومعه بعض الدول العربية، وبينهم. وهكذا، فإن ما يجب أن يدركوه الآن، وليس غداً، هو أنّ استمرارهم في هذه الحرب الظالمة التي يشنونها على الشعب السوري، بحجة مقاومة الإرهاب، سيؤدي إلى انقلاب حقيقي في المواقف، وسيؤدي إلى الذهاب في الانحياز ضدهم إلى النهاية، وبخاصة أن هناك بوادر عودة لصراع المعسكرات واستئناف الحرب الباردة التي كانت توقفت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي… وليته لا يزال قائماً ولم يسقط!
والسؤال الذي يفترض أن يعرفه كبار المسؤولين الروس، وفي مقدمتهم الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، هو: ما الذي تريده موسكو من وضع مؤتمر أو مهرجان سوتشي، الذي لا تزال تصر عليه، في طريق “جنيف”، وفي طريق الحلول الدولية وما توصلت إليه الأمم المتحدة والقرار رقم 2254 والمرحلة الانتقالية؟!
إن على “الرفاق” الروس أن يدركوا أن هذا المهرجان “العرمرمي” الذي دعوا إليه لسدِّ طريق الأمم المتحدة تجاه حلِّ الأزمة السورية قد يكون رحلة نهايات صيف في هذا المنتجع الجميل “سوتشي” على شواطئ البحر الأسود لـ”الشعوب السورية” التي دعيت إليه، لكنه لن يكون حلاً لهذه الأزمة، على الإطلاق، بل إنه سيعقد الأوضاع أكثر مما هي معقدة، فالشعب السوري الذي دفع خلال ما يزيد على الأعوام السبعة كل هذه الأثمان الباهظة لا يمكن أن يستجيب لهذه الـ “سوتشي” التي لا هدف لها، إلا الإبقاء على رئيس هذا النظام البائس، على أساس ذلك الشعار القائل: لـ ”الأبد يا أسد”!