من البوكمال الى بيروت

مهند الحاج علي

بعد أربعة عقود على القطيعة التاريخية بين العراق وسوريا تحت حكم البعث، والعداء الشرس بينهما، باتت الحدود العراقية-السورية اليوم ملتقى لحليفين استراتيجيين تحت العباءة الإيرانية.

 

بحسب الإعلام الحربي المركزي، عَبَرَ عناصر من الحشد الشعبي العراقي الحدود لمساعدة القوات السورية وحلفائها على تحرير البوكمال السورية من تنظيم ”داعش“. قبلها بأيام، سيطرت هذه القوات على مدينة دير الزور، وظهر قائد فرقة ”القدس“ الإيرانية قاسم سليماني لإلقاء التحية على مقاتلين من لواء الباقر العراقي.

 

وسليماني أيضاً بات عابراً للحدود، يتنقل من ايران للعراق وسوريا بلا عوائق، يتفقد الجبهات ولا يفوّت مناسبة لالتقاط الصور مع المقاتلين. يتحدث دوماً عن اتصال الجبهات، وارتباطها البنيوي، والنفوذ الإيراني العابر للحدود.

 

ولبنان ليس بعيداً عن هذه الصورة، إذ بات ”حزب الله“ عابراً للحدود مع سوريا والعراق في آن. خلال الأسابيع والأيام الماضية، ظهرت دبابات في شمال العراق وعلى حدوده مع سوريا، عليها أعلام ”حزب الله“، وهي من طراز متقدم لا يملكه الجيش العراقي، بل يُعتقد بأنها انتقلت من القوات السورية إلى ملكية مقاتليه. بيد أن ترسانة الجيش العراقي، بحسب وكالة ”سبوتنيك“، تقتصر على دبابات من طراز ”تي-90“، فيما ظهرت دبابات ”تي 90 أ“ الأكثر فاعلية والمزودة بمدفع شيلكا المتقدم، ضمن عتاد الحزب وبعض قوات الحشد الشعبي. الفارق بين الدبابتين 11 عاماً (تي 90دخلت في الخدمة عام 1993، وتي 90 أ عام2004)، تضمنت تعديلات في القوة النارية والتحصينات وسرعة المحرك. يُوحي هذا المشهد بأن الأسلحة المتوافرة باتت مشتركة إلى حد ما، تماماً مثل الحدود الدولية، ولكن يُذكّر أيضاً بغلبة الميليشيات على أي جيش وطني في اطار السياسة الايرانية.

 

وهذا التواصل الجغرافي لمحور الممانعة، بات محل فخر لدى المسؤولين الايرانيين يستثمرونه داخلياً. علي أكبر ولايتي مستشار مرشد الثورة علي خامنئي، زار مدينة حلب حيث أعلن خلال لقاء مع مقاتلين موالين لطهران، أن المعارك المقبلة ستشمل بقية شرق سوريا وادلب، في اشارة الى احتمال اتساع دائرة المواجهة. وفي تكرار لما جاء على لسان أكثر من مسؤول ايراني، اعتبر أن “خط المقاومة يبدأ من طهران ويعبر من بغداد ودمشق وبيروت ليصل إلى فلسطين”. وهذه ليست استعراضات سياسية فحسب، بل أيضاً استراتيجية عسكرية، رأينا إحدى صورها في استهداف طائرة اسرائيلية فوق الأراضي اللبنانية، بصاروخ أرض-جو أُطلق من الجانب السوري للحدود.

 

كيف ستُترجم ايران هذه الساحات المفتوحة على بعضها بعضاً، في حال وقوع حرب شاملة مع اسرائيل؟

 

أولاً، الصواريخ الباليستية ستُطلق من اتجاهات مختلفة، بما يُساعد على تعزيز كثافتها لتعطيل منظومة أسلحة الدفاع الجوي، المعروفة بالقبة الحديد، وإصابة أهداف حساسة.

 

وثانياً، ستحد الهجمات المتعددة من القدرة النارية الاسرائيلية. وأخيراً، سيُسهل التواصل البري انتقال مقاتلين عرب وأجانب، رغم أن ذلك لا يعني الكثير في ظل التفوق الجوي الاسرائيلي وقدرته على اعاقة القوافل البرية.

 

يبقى أن هذا التواصل الجغرافي سيُسهم في تأدية وظائف الساحة الاقليمية، لجهة ايصال الرسائل، وخوض الحروب والصراعات بالوكالة، والتحول الى ورقة في ملفات التفاوض بين طهران والعالم الخارجي. المهم أن طهران ستُوفّر أماناً وظيفياً لهؤلاء المقاتلين المتنقلين بين الجبهات، قد لا يجدوا له مثيلاً في أوطانهم المدمرة.

Comments (0)
Add Comment