العقلية الاستعلائية والقضية الكوردية … العربية نموذجا

 

محمد زكي اوسي

ليس من شروط التفاعل الصحيح بين الشعوب اتخاذ سلوك ينتج عنه تجسيد شعور استعلائي رمزي او كتلوي او لغوي او فكري تجاه شعب اخر وتجاه قضايا اخرى , وليس من شروط مثل هذا التفاعل التقوقع في صرفة الذات والغاء الاخر شعبا وارضا وتاريخا ورمزا وكتلة , او اعتبار الانا مركز الكون في جذب القضايا عبر فرض مقتضيات طوباوية من تهميش والغاء الاخر والنظر الى قضيته من خلال ثغور الاحاسيس الذاتية او من خلال روابط قبلية لا موضوعية ولا منصفة

ان سلوك الفكر الاستعلائي العربي تجاه القضية الكوردية اتجه اتجاها بالغ العلو باعتبار الانا بؤرة للكون وتهميش القضية الكوردية من خلال عقلية قبلية عبر الاخذ بمقولة “انصر اخاك ظالما او مظلوما” ومعنى ذلك ان العربي انزلق منزلقات خطيرة في تحديد مواقفه من قضايا العالم من خلال درجة تعامله الربحي معها متبعا نهجا براغماتيا في التعامل مع تلك القضايا وبالتالي فانه تعامل مع القضية الكوردية بمنتهى السلبية والنظرة الاحادية او بتردد بين دعن اني لتحقيق نهج نفعي براغماتي في صراعاته العربية , مثلا الصراع بين نظمي صدام حسين وحافظ الاسد خلال القرن الماضي وبين نمط المساندة او حتى الاعتراف الشكلي في احيان اخرى , هذه الديماغوجية السلوكية والتعامل العربيين كفكر وكسلطة وليس كجماهير تجاه القضية الكوردية باعتبارها قضة مفتعلة او مجر اختلاق ازمات . وهذا ادى الى موقف عدائي صريح تجاه القضية الكوردية , ولم يكتفي الفكر الاستعلائي العربي بهذا بل اعتبر الذات والقضايا العربية معيارين للحكم على الاخرين واتخاذ المواقف منهم فالفكر والسلطات العربية ترى ان القضية الوحيدة والجوهرية التي يجب ان توجد هي القضية الفلسطينية وان تمحى والى الابد القضايا المصيرية الاخرى وبالأخص القضية الكوردية “اسرائيل ثانية” وان الفكر الاستعلائي العربي يعتبر كل مصائب الكورد وآلامهم من قتل جماعي وسياسة الارض المحروقة والكيمياوي والانفلة والحزام والاحصاء الجائر والهجرات المليونية وسبي اخواتنا الكورديات الايزيديات وبيعهن في اسواق النخاسة مسرحيات مفتعلة وازمات مختلقة , بل ويذهب الى ابعد من ذلك عند تمجيده المؤامرات الدنيئة المحاكة ضد الكورد مثل اتفاقية الجزائر المشؤومة /1975 التي اعتبرت نصرا عربيا مؤزرا متناسيا التنازل فيها عن الارض والسيادة العراقية مقابل التنكيل بالكورد شط العرب” مثلا , ثم يجب الا ينسى ما تمخض عن ذلك من ويلات للعراق وشعبه “حروب الخليج المتتالية” من عام 1980- 2003 وما بعدها حتى الان وهذا التمجيد للمؤامرات والتنكيل بالكورد عبر عنه كثيرون من المثقفين اعرب في كتاباتهم مثل الناقد الدكتور غالي شكري في كتابه “يوم طويل في حياة قصيرة” و ” انهم يرقصون ليلة راس السنة” وكذلك الكاتب محمود كنفاني في مقاله “جيب او جيوب انفية سياسية” والدكتور هادي حسن في كتابه ” مغزى تمزيق العراق بالقوة” وغير هذه الشواهد والامثلة كثيرة

لم يكتف الفكر الاستعلائي بهذا بل انساق الى متاهات خطيرة صدعت الوعي والفكر العربي عبر تبني مخاوف دونكيشوتية مجانية تتمثل في توهم اعداء لا ديدن لهم سوى احتلال الارض العربية والتخطيط للمؤامرات اللامنتاهية

ومن هذه الاوهام والاخيلة المريضة اعتبار الكيان الكوردي المتحقق بدماء الشهداء في جنوب كردستان او ما يسميه هو شمال العراق طمسا للحقيقة الكوردية وكرا للموساد ومنطلقا لأمريكا وحلفائها لإثارة الازمات وفتح الطريق امام احداث وتغييرات في المنطقة كلها, وكلنا يتذكر في هذا المجال مقالة د. علي عقلة عرسان التي فاحت منها روائح فاشية نتنة “من بلفور الى ميجور…” ردا على انشاء منطقة امنة في جنوب كردستان بداية تسعينات القرن العشرين

ولكي يبرر العربي فكرا واعلاما وسلطة وليس جماهيرا تخلفه ونكباته وانتكاساته فانه يبحث عن شماعة لتعليق ثيابه البالية عليها ولم يجد سوى جنوب كردستان لتحقيق اغراضه فهو لا يستطيع وضع يده على مكمن الخلل في انظمته الدكتاتورية . بل يفضل تصدير مشاكله الداخلية الى خارج الذات منساقا وراء اعلام مريض مشوه للحقائق وخلط للأوراق وكتابة تقارير سرية عن مؤامرات مزعومة وهذه الحملة الهوجاء تزداد شدة بتزايد اهتمام الاوساط العالمية بالقضية الكوردية ودخولها بانسيابية رائعة ميدان السياسة الدولية بفضل القيادة الحكيمة التي عركتها التجارب والاحداث الجسام على مدى اكثر من قرن

كل هذا رغم تبني الكورد شعار الاخوة العربية الكوردية واتخذ مواقف مساندة للقضايا العربية ,الم يتعهد البارزاني الخالد للمرحوم الرئيس جمال عبد الناصر باعادة امجاد صلاح الدين الايوبي اذا ما سمح له ولمقاتليه بمواجهة العدوان الثلاثي /1956م / ؟ وكم من الشهداء الكورد سقطوا فداء لفلسطين

كل هذا والفكر الاستعلائي العربي يمارس اضطهادا شديدا تجاه الكورد وقضيتهم متنكرا لكل الدعم الفعلي واللوجستي الكورديين وما قتال داعش الا مثال ساطع على ذلك

ايها الدهاة , ياشيوخ الحكمة: ان لغة الحوار السلمي هي لغة العصر وان اختلاق الازمات الوهمية وكتابة التقارير السرية المستقاة من مصادر مجهولة اصبحا اساليب بالية وان  بعض المصطلحات المجافية للحقيقة “شمال العراق” طمسا لكوردية كردستان وشعبها طواها الزمن ان اسلوب التخوف والتخويف من الكورد فوبيا قد فات اوانه ولن ينفع

ان الافضل هو لجوء الاعلام العربي الى اساليب عصرية في تفهم قضيا الاخرين والجرأة على نقد الذات بدلا من القاء اللائمة على الاخرين في وسائل اعلام تدعي الموضوعية والاستقلالية في النظر الى الامور

اما الكوردي فلو استطاع لم شمل بيته واستطاع كسر الحصار الاعلامي المفروض عليه وايصال الصورة الكوردية السلمية الى الاخرين لكان ذلك بداية غلق الطريق امام كل استعلاء

 

Comments (0)
Add Comment