أحمد الزاویتي
كثيرا ما يثبت السياسيون العراقيون في بغداد بأفعالهم ومواقفهم على أن كردستان ليست جزءا من العراق! سواء أرادوا بذلك هذا أم لم يريدوا، أو فعلوا ذلك عن معرفة أم عن جهل.. آخر هذه المواقف كان عدم تطرق حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي عند إعلانه الانتهاء من داعش، إلى دور البيشمركة في محاربة هذا التنظيم! وذلك بعدما تطرق لدور كل من هب ودب من قوات حاربت داعش من جيش وميليشيات..
تناسى العبادي أن جيشه هو الذي فتح الطريق سالكا لداعش كي يسيطر على ثلث العراق ما كان يقدر بـ 80% من أراض سنة العراق (من غير كردستان) والـ 20% الأخرى المتمثلة بمحافظة كركوك حافظ عليها البيشمركة ومنع داعش من السيطرة عليها، وهي المحافظة السنية العراقية الوحيدة (غير المحسوبة على إقليم كردستان) التي لم يسيطر عليها داعش بسبب دفاع البيشمركة عنها، وإلا المحافظات التي كانت تحت حماية الجيش العراقي سلمت لداعش على طبق من ذهب..
وبقاء كردستان العراق بمحافظتها الثلاث (أربيل، دهوك، السليمانية) محمية من داعش أيضا دليل آخر على أن هذه المنطقة لم تكن جزءا من العراق، وإلا لدخلها داعش بدعم من نوري المالكي الذي كان قائدا عاما للقوات المسلحة العراقية صيف 2014 عند بدأ عصر سيادة داعش على المناطق السنية في كل من العراق وسوريا، خاصة عندما كان داعش على وشك الوصول لبغداد، فجأة غيرت بوصلتها للتوجه إلى كردستان إلا أن قوات البيشمركة صدتها وأوقفتها عند حدها..
ناسى العبادي أيضا أن البيشمركة أخرج داعش من كل المناطق المتنازع عليها في محافظات (نينوى عدا مركزها الموصل، ومن مناطق محافظة ديالى، وبعض مناطق صلاح الدين) بعد أن خسرها الجيش العراقي، بل تناسى العبادي أنه لولا البيشمركة لما تمكن من تحرير الموصل من سيطرة داعش، لأن قواته دخلتها من مناطق كردستان بعد أن سمح له البيشمركة بذلك، ومنها هاجم جيشه ومليشيات الحشد على الموصل بعدما هيأ البيشمركة لهم ساحة الهجوم على الموصل في مواقعها المختلفة الشرق، الشمال، الغرب، بل حتى الهجوم من الجنوب القيارة بالتحديد..
ثم أنه تناسى أن غرفة عمليات مشتركة كانت تدير المعركة كانت مؤلفة من ممثل للقوات الأمريكية، وآخر من وزارة البيشمركة مع ممثلي وزارة الدفاع العراقية. ليس العبادي فقط هو الذي أثبت على أن كردستان ليست جزءا من العراق، فقد سبقه سلفه في حزب الدعوة نوري المالكي عندما قطع حصة الإقليم من الموازنة العراقية وهي 17% منذ عام 2014، ولا يزال العبادي سائرا على سنة المالكي في ذلك، ويمنع وصول أي حصة من الموازنة لهذا الإقليم الذي ليس له حتى نفسه!
مرارا وتكرارا تثبت قيادات الحشد الشعبي وسياسيو الشيعة في بغداد بتصرفاتهم أحيانا ومواقفهم أحيانا أخرى، بالتصريح مرة وبالترميز أخرى على أن كردستان ليست جزءا من العراق، وإلا ماذا يعني إلحاحهم على أن كركوك ليست جزءا من كردستان بل هو جزء من العراق! إذن فماذا بشأن المحافظات العراقية الأخرى: السليمانية، أربيل، دهوك، هل وقوعها في إقليم كردستان يعني أنها ليست جزءا من العراق؟! وهل يحتاج الجمهور في منطقتنا في العراق وما حول العراق لمزيد من التفكير والتركيز لفهم هذه المعادلة السهلة؟!
عندما خشيت القيادات الكوردية على مصالحها من إفرازات الاستفتاء الذي جرى في الخامس والعشرين من أيلول سبتمبر الماضي، وسارعت للتنازل لبغداد وتجميد نتائج الاستفتاء وهي 93% لصالح الدولة الكوردية، والقبول بكل ما تطلبه بغداد، دون أن تبالي بغداد بذلك وتبقي على مطارات الإقليم مغلقة وتمنع الطيران إليها وتمنع الموازنة والرواتب والوقود عن كردستان فليس ذلك إلا قناعة بغداد واعتقادها الجازم أن كردستان ليست جزءا من العراق، لكن المشكلة ليس هنا بالتحديد، بل المشكلة الأساسية في: من يستطيع أن يقنع قيادة الإقليم وأحزابها السياسية التي أصبحت علامة تجارية فاشلة لممارسة السياسة أنهم ليسوا عراقيين وليسوا جزءا من العراق! البقاء مع العراق أو الانفصال عنه ليس مهما بقدر أهمية هل أن بغداد صالحة لتبقى معها؟! أو هل كردستان صالحة لتنفصل عنها؟!
نحن والمنطقة حولنا ننشغل بالشكل أكثر به من المضمون، ونلتهي بالشعارات أكثر منه بالواقع، وننشط في الانتخابات ونفشل في الديمقراطية، فنحن عالم العاطفة والشعارات والهتافات والمسيرات ولسنا عالم العقل والإصلاح والبناء والتنمية، وحتى نكون كالطرف الثاني من المعادلة وليس الأول، نكون مضمونا وليس شكلا، فلا فرق أن يكون كردستان جزءا من العراق أو ليست جزءا، والصراع على ذلك ليس إلا نفاقا كما النفاق المنتشر في الشرق الأوسط.