هوشنك أوسي
يسهب حزب «العمال الكردستاني»، وفرعه السوري «الاتحاد الديموقراطي»، المسيطر بقوّة السلاح على المناطق الكرديّة السوريّة، في الحديث عن ضرورة دمقرطة المجتمع، وسعيه إلى إقامة المجتمع البيئي – الإيكولوجي، وتحرير المرأة، وضمان حقوقها، وحماية الطفل وضمان حقوقه. ويقدّمان نفسيهما على أنهما البديل الديموقراطي لكل ما هو موجود من نظم الحكم والإدارة، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في العالم أيضاً.
فداحة الثرثرة التي يغرق «الكردستاني» وفرعه السوري نفسيهما فيها، أثناء الحديث عن أفكارهما ومشاريعهما الفريدة لحل القضيّة الكرديّة والقضايا كلها، هي ما يصاحب ذلك على شكل مدائح للذات وذم للآخر، ما يخلق لدى المرء تصوّراً رومانسيّاً ومخمليّاً عن أنموذج السلطة والإدارة التي يمكن أن يؤسس لها «الكردستاني» وفرعه السوري، ويديراها، في حال سنحت لهما الفرصة!
هذا الغلوّ قد ينطلي على من لم يعايش التجربة، أو ينظر إليها من الخارج، مفتوناً ومبهوراً بصور المقاتلين والمقاتلات فيما هم/ هن في ساحات المعارك ضدّ تنظيم «داعش» الإرهابي. وبين هؤلاء المنبهرين من يعي الحقيقة ومرارة الواقع وفيض التضليل الذي تغدقه آلة الحزب الإعلاميّة، ومع ذلك تراهم ساكتين عن انتهاكات «الكردستاني» في المناطق الكرديّة السوريّة!
وسط هذا تصبح أيّ محاولة نقديّة تسعى إلى كشف الواقع وتعرية هذه السلطة – الجهة وفضح انتهاكاتها، ضرباً من الخيانة والارتزاق والعمالة لتركيا أو لأي جهة معادية للشعب الكردي وقضيّته، وفق «الكردستاني» واستطالاته!
وهناك مئات القصص التي تفضح انتهاكات هذا الحزب وممارساته، وليس آخرها حكاية الطفلة أفين صاروخان ذات الأحد عشر ربيعاً التي اختطفها عناصر حزب «الاتحاد الديموقراطي» من أمام المدرسة في مدينة الدرباسيّة على الحدود التركيّة – السوريّة، وأرسلها إلى جهة مجهولة. أنكر الحزب معرفته بمصيرها، حين سألت عائلة أفين عنها، لكنه اضطر إلى الاعتراف بوجودها لديه، بعد أن كان هناك شهود عيان رأوا بأعينهم كيف يتم جرّها إلى سيارة «فان» سوداء تابعة لعناصر الحزب الأوجلاني السوري. وقال الأخير لأهل الطفلة بأنه سيعيدها، بعد إخضاعها لدورة تدريبيّة. طفلة عمرها 11 سنة، سوف تخضع لدورة تدريبيّة سياسيّة وأيديولوجيّة، ويُجرى لها غسيل دماغ، وتتم عسكرتها، حالها في هذا حال المئات من أمثالها الأحداث والقاصرات الذين زُجّ بهم في حروب «الكردستاني» ضد التنظيم الإرهابي في الرقة ودير الزور ومناطق أخرى.
أثناء افتضاح هذه الجرائم، يعلّق الحزب أو أحد الناطقين باسمه، بأنها «حالات فرديّة، تتمّ معالجتها في التوّ واللحظة. ولا تعبّر عن موقف الحزب وسلطته». لكن عشرات ومئات حالات تجنيد الأحداث والقاصرات تؤكد أن الأمر سياسة ممنهجة وسلوك ممنهج، اتبعه «الكردستاني» في الثمانينات والتسعينات، وسيبقى يتبعه، لأن ذلك خصلة وتقليد أصيل من تقاليده. فلا غرابة في أن يكون الفرع (الاتحاد الديموقراطي) صدى لنهج الأصل (الكردستاني).
الأكثر طرافة ووقاحة أن سلطة الحزب، قبل أشهر، فسخت زواج شقيقة أفين، أمينة صاروخان، لأنها تبلغ من العمر 17 سنة، ولم تصل بعد إلى السن القانونيّة للزواج، ولاحقت العروس وزوجها واعتقلت والدها ثلاثة أشهر، وأمرته بدفع غرامة كبيرة بسبب موافقته على زواج ابنته. ثم تُخطف شقيقة العروس، الطفلة أفين، من مدرستها، بهدف تجنيدها.
وإذا كان رفض سلطة الحزب الأوجلاني تزويج أمينة صاروخان أمراً إيجابيّاً وقانونيّاً مرحّباً به، على رغم الإهانة والذل اللذين ألحقتهما بوالد الفتاة وأسرتها، إلّ أن خطف شقيقتها جريمة حرب، لا ولن تسقط بالتقادم. وهذه الأسطر لن تعيد المخطوفين والمخطوفات الأكراد إلى أهاليهم، ولن تردع الخاطفين عن المضي في ما هم عليه وفيه. سقف ما يمكن أن تفعله هو فضحهم وتعرية الواقع الكردي بمرارته وقسوته.