رضوان زيادة
خلال محادثات وقف إطلاق النار التي عقدت في آستانة وزعت روسيا على المعارضة السورية المسلحة التي شاركت في المحادثات مسودة مقترحة لدستور جديد لسورية وضعته موسكو «لتسريع المفاوضات السياسية لإنهاء الصراع» وفقاً لمبعوث الكرملين.
ويبدو أن هذه النسخة ستظهر مجدداً مع انعقاد مؤتمر سوتشي الذي تريده روسيا لإنهاء الحرب في سورية على حساب الدم السوري ومن دون احترام المطالب الشعبية الذي دفع السوريون ثمنها كبيراً خلال الثورة السورية.
والسؤال هنا لماذا قررت روسيا أن تبدأ من نقطة بالغة الحساسية بالنسبة لأي أمة، فأي دستور لأي دولة يعكس قيمها الأساسية، وكررت روسيا منذ بدء الانتفاضة السورية في عام 2011 أن الأمر متروك للشعب السوري وأن الحل يجب أن يكون سورياً.
ثم كيف تقدم روسيا على صياغة «دستور سوري» وتسأل السوريين مناقشته والموافقة عليه. لقد أعد هذا الدستور من قبل «خبراء روس» من دون إشارة لوجود اختراق للتوصل إلى تسوية سياسية أوسع لإنهاء الحرب، ثم فجأة قررت روسيا عدم التركيز على تنفيذ وقف إطلاق النار في جميع أنحاء سورية الذي انتهكته حكومة الأسد كل يوم تقريباً، ولم تعد تركز على بنود الاتفاق بين روسيا وتركيا الذي قبلت المعارضة به على أمل أن يحدث فرقاً على الأرض من خلال التطبيق الكامل لوقف إطلاق النار، فضلاً عن قضايا أخرى تشكل أولوية للسوريين الوضع الإنساني، وعملت على صياغة دستور ووضعه تحت تصرف الشعب السوري.
مثل الاقتراح الروسي لدستور «سوري» مفاجأة، سيما أن الطريقة التي تم الإعلان عنها خلال محادثات آستانة بدت وكأنه شكل من أشكال الفرض الروسي على المحادثات، وكون روسيا هي الفاعل العسكري الأكبر في سورية فمنذ تدخلها العسكري في أيلول (سبتمبر) 2015 أصبحت هي المحرك العسكري والسياسي الرئيس، بحكم انسحاب الولايات المتحدة، بخاصة بعد مجيء الرئيس ترامب، الذي طبق سياسة أميركية انعزالية مع تركيز وحيد على محاربة «داعش» في سورية.
إن قراءة النص الروسي المقترح للدستور في سورية تعكس وجهة النظر الروسية للحل السياسي الذي تنادي به يومياً من دون الالتزام بمحدداته على الأرض.
تظهر المسودة المقترحة التي قال وزير الخارجية الروسي لافروف إنها أعدت من قبل «خبراء روس»، أنها صيغت بطريقة مماثلة لدستور الاتحاد الروسي الذي أقر في 12 كانون الأول (ديسمبر) 1993 فتوزيع الصلاحيات بُني على صلاحيات المؤسسات الروسية الشبيهة، لكن ما يجدر التوقف عنده هو كيف ينظر الروس إلى سورية الجديدة التي يقترحونها، وهنا سنركز على نقطتين بالغتي الأهمية في المسودة الروسية المقترحة، وهما التركيبة التعددية الطائفية والإثنية التي يشير إليها الدستور مراراً، ومركزية السلطات بيد السلطة التنفيذية التي تكاد تكون نسخة من مواد الدستور الروسي.
تشير الفقرة الثانية من المادة الثانية في المشروع المقترح، إلى أن «شعب سورية المتعدد القوميات والطوائف هو المصدر الوحيد لسلطة الدولة»، في إشارة واضحة إلى التركيبة الطائفية السورية، وعلى ذلك يبني الدستور هيكلية النظام السياسي المقترح لسورية، والسلطة التشريعية التي تتوزع بين ما تسميه المسودة «مجلس الشعب» أو «جمعية الشعب و «جمعية المناطق».
يعطي الدستور الروسي المقترح أفضلية واضحة للكرد في الدستور، بوصفهم الأقلية الأكثر عدداً، مع تجاهل الأقليات الأخرى، وتذكّر المادة الرابعة من الدستور في الفقرة الثانية بأن «تستخدم أجهزة الحكم الذاتي الكردي ومنظماته اللغتين العربية والكردية لغتين متساويتين» في إشارة إلى تأسيس ما يسمى «الحكم الذاتي الكردي» من دون إيضاحات جغرافية عن مكان هذا الحكم، أو أي إضافات سياسية عن صلاحيات حكم كهذا، بل تشير الفقرة الرابعة من المادة ذاتها إلى أنه «يحق لكل منطقة وفقاً للقانون أن تستخدم بالإضافة إلى اللغة الرسمية لغة أكثرية السكان إذا كان موافقاً عليه في الاستفتاء المحلي».
ينظر الدستور الروسي إلى السوريين على أنهم شعوب مختلفة مكونة من أكثريات وأقليات طائفية وعرقية وإثنية، لا يجمعهم سوى التواجد على الأرض السورية، ولذلك وفي المادة السادسة المستنسخة تقريباً من الدستور الروسي حرفياً «الاعتراف بالتنوع الأيديولوجي في سورية» وهي المادة الثالثة عشرة في الدستور الروسي، ليس واضحاً ما المقصود بالتعدد الأيديولوجي في سورية وكيف ستضمن الدولة هذا النوع من التعددية. أما الفصل الثاني الذي ينص على الحقوق وحريات الإنسان والمواطن ويمتد من المادة 18 إلى المادة 33، فتكاد تكون المواد ذاتها بحرفيتها من الدستور الروسي من المادة 17 إلى المادة 64.
وإذا أتينا إلى طريقة توزيع الصلاحيات والعلاقة بين مؤسسات الدولة المختلفة، نجد تشابهاً أكبر مع دون إدراك للحجم الجغرافي المختلف بين روسيا وسورية وبين تطور العلاقة بين المناطق المختلفة في روسيا الاتحادية وبين تطورها في سورية منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1946.
تشير مسودة الدستور الروسي لسورية، إلى أن السلطة التشريعية في المادة 34 تتكون من «جمعية الشعب وجمعية المناطق» ثم تشير المواد اللاحقة إلى تعريف ما تقصده المسودة بجمعية الشعب، ففي المادة 35 تذكر أنه «يتم انتخاب نواب جمعية الشعب بالاقتراع العام والسري والحر والمتساوي وهم يمثلون شعب سورية بأكمله». وتتكون السلطة التشريعية في الدستور الروسي المقترح من غرفتين تطلق عليهما «جمعية الشعب» و «جمعية المناطق» وهي مقاربة شبيهة بالدستور الروسي حيث «تتكون الجمعية الاتحادية في الاتحاد الروسي من مجلسين: هما مجلس الاتحاد ومجلس الدوما» حيث «يكون نائبان من كل إقليم أو منطقة من أقاليم ومناطق الاتحاد عضوين في مجلس الاتحاد: أحدهما يمثل الجهاز النيابي والآخر يمثل الجهاز التنفيذي لسلطة الدولة».
وكما أن مجلس الدوما ينتخب لمدة أربع سنوات، فإن نواب جمعية الشعب السورية منتخبون لولاية مدتها أربع سنوات، أما جمعية المناطق المذكورة في المادة 40 من الدستور المقترح، فينتخب أعضاؤها لمدة أربع سنوات. ومن صلاحيات جمعية المناطق:
1- تؤسس لتكفل مشاركة ممثلي الوحدات الإدارية في العمل التشريعي وإدارة البلد.
2- تتكون جمعية المناطق من ممثلي الوحدات الإدارية.
3- يحدد القانون نظام تفويض ممثلي الوحدات الإدارية وعددهم ووضعهم ومدتهم».
لا يوضح الدستور المقترح ماذا يقصد بالوحدات الإدارية، لكن الواضح أن الممثلين في جمعية المناطق غير منتخبين، على عكس جمعية الشعب، وبرغم ذلك يمنحها الدستور المقترح صلاحيات مشابهة لجمعية الشعب بل صلاحيات أكبر، إذ كما في المادة 44 «تتولى جمعية المناطق: إقرار مسائل السلم والحرب، تنحية رئيس الجمهورية من منصبه، إقرار إعلان رئيس الوزراء حالة الطوارئ والتعبئة العامة وتعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا.
وهي صلاحيات كبيرة لمجلس تشريعي غير منتخب في حين أن جمعية الشعب المنتخبة تنحصر اختصاصاتها في: إقرار القوانين، النظر في مسألة تشكيل الحكومة وحجب الثقة عنها، إقرار خطة عمل الحكومة، إعلان الانتخابات الرئاسية، إقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية».
وبالتالي تبدو صلاحيات غرفة جمعية الشعب المنتخبة محدودة للغاية مقارنة مع صلاحيات جمعية المناطق غير المنتخبة وهذا خلل رئيسي في بناء النظام الديموقراطي الذي يقوم على إعطاء الصلاحيات الأكبر للجسم المنتخب بوصفه ممثلاً للشعب.
أما في المادة 62 فإنها تعطي جمعية المناطق المعينة من الرئيس صلاحيات عزله بناء على «أساس اتهام موجه من قبل جمعية الشعب بالخيانة العظمى أو ارتكاب جريمة كبرى».
أما صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب لمدة سبع سنوات فإنها تتراوح بين: المصادقة على مشاريع القوانين، تقديم اقتراح إلى جمعية الشعب والمناطق بتسمية رئيس وزراء جديد، تعيين ورفض نواب رئيس الوزراء والوزراء.
ويقوم رئيس الجمهورية بترشيح رئيس الوزراء وبالتالي يصبح شكل النظام السياسي المقترح أشبه بنظام رئاسي مطلق عبر صلاحيات الرئيس وصلاحيات جمعية المناطق غير المنتخبة.
بيد أن الخطورة الرئيسية في المشروع الروسي المقترح هي تعميق المحاصصة السياسية القائمة على الطائفية والإثنية، ففضلاً عن تضمينه إنشاء منطقة حكم ذاتي للكرد، فإنه ينص في مادته 66 على أن: «تتم تسمية المرشحين لمناصب نواب رئيس الوزراء والوزراء من قبل رئيس الوزراء وذلك بحسب التمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية للشعب السوري وتحجز بعض المناصب للأقليات القومية والطائفية، ويحق لرئيس الوزراء التشاور بهذا الخصوص مع ممثلي جمعية الشعب وجمعية المناطق».
إن الدستور الروسي المقترح لسورية يقوم على فكرة تعددية الشعب السوري لينتهي إلى مبدأ المحاصصة الطائفية والقومية في المناصب الوزارية بما يذكّر بأنظمة سياسية شبيهة في لبنان والعراق وإرلندا الشمالية والبوسنة والهرسك، من دون أن تفلح أي من الأنظمة السياسية المذكورة في ضمان استقرار النظام السياسي أو تحقيق النمو الاقتصادي، فهي أنظمة قائمة على الشلل الطائفي بدل أن تفتح الباب لتحويل النظام السياسي إلى نظام ديموقراطي كامل.