عفرين وما بعدها

اياد الجعفري

مع بدء العملية العسكرية التركية في عفرين، يتجلى سيناريوهان، يحددان مستقبل الشمال السوري برمته. ويمكن التمييز بينهما عبر الإجابة على التساؤل الكبير الآتي: هل الدخول العسكري التركي إلى تلك البقعة في شمال غرب سوريا، كان بناءً على تفاهمات غير معلنة مع الروس والأمريكيين والإيرانيين، أو بعض تلك الأطراف على الأقل؟، أم أنه جسٌ للقدرات، وتناطُحٌ للإرادات، وبالتالي، قد يكون توريطاً ميدانياً خطيراً للأتراك في سوريا؟

 

السيناريو الأول، يتضمن سيناريوهات فرعية أبرزها، أن تكون تركيا قد حصلت على عفرين كترضية من الأطراف المؤثرة في سوريا. فالأمريكيون تخلوا عن عفرين، مقابل قبول تركي، غير معلن، بالترتيبات الأمريكية – الكردية، شرق الفرات. أو على الأقل، لأن عفرين لا تعنيهم استراتيجياً، وبالتالي، فإن الأمريكيين لا يريدون الذهاب بعيداً في استفزاز الأتراك، من أجلها. أما الروس، فتخلوا عن عفرين، ربما مقابل دعم تركي لمؤتمر “سوتشي”، الذي يراهن عليه بوتين بحماسة. أما الإيرانيون، فعلى الأغلب، تخلوا عن عفرين التي كانت تحظى بعلاقات وطيدة مع النظام، وميليشياته في حلب، مقابل تخلي الأتراك عن المعارضة ومناطق سيطرتها، شرق سكة الحجاز، في إدلب. وهنا نلحظ أن بدء العملية العسكرية التركية في عفرين، تزامن بشكل غريب، مع حديث النظام عن السيطرة على مطار أبو الظهور العسكري. وهو تطور ميداني لم يتأكد بعد.

 

وكسيناريو فرعي آخر، قد تكون تركيا تمكنت من تحصيل تفاهمات مع بعض الأطراف، وليس جميعها. ومن المرجح، حسب هذا السيناريو، أن يكون الروس أبرز المتفاهمين مع الأتراك. وما يؤكد ذلك، المعلومات الأولية عن سحب روسيا لشرطتها العسكرية من عفرين، كإشارة إلى وجود ضوء أخضر روسي للأتراك، في عمليتهم العسكرية. ويبدو أن الأتراك حصلوا أخيراً على ضوء أخضر روسي، أيضاً، لتحليق طائراتهم ضمن مجال جوي، داخل الأراضي السورية، يسمح لهم بتنفيذ عمليتهم العسكرية في عفرين.

 

وحسب هذا السيناريو، يبدو أن النظام من أبرز المتضررين، من التفاهم التركي – الروسي. ذلك أن الجناح الذي يدير عفرين، من قادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، يتمتع بتفاهمات وطيدة مع النظام، ومع الإيرانيين. وبعض قادته قضوا فترات طويلة في جبال قنديل بالعراق، حيث معقل حزب العمال الكردستاني، الذي يحظى، هو الآخر، بتفاهمات مع إيران، هناك.

 

لكن، مقابل المؤشرات السابقة، التي تدعم نظرية وجود تفاهمات إقليمية ودولية على تسليم عفرين لتركيا، نجد أن مؤشرات أخرى، تدعم نظرية معاكسة، تذهب إلى أن عفرين قد تكون توريطاً للأتراك.

 

تدعم هذه النظرية، معلومات متواترة عن تحصينات واستعدادات قتالية عززها مقاتلو الأكراد في عفرين، بالتزامن مع وصول شحنات أسلحة، من المرجح أنها تضم مضادات دروع أمريكية. ويُشاع أن هذه الشحنات تضمنت مضادات طيران. لكن المعلومة الأخيرة ما تزال موضع شكٍ كبيرٍ، وإن أهملناها نهائياً، فإن استعدادات الأكراد للمقاومة في عفرين، كافية لترجيح كفة النظرية القائلة بأن تشجيع الأتراك على دخول عفرين، قد يكون بهدف توريطهم واستنزافهم هناك.

 

ذلك أن عفرين، ليست شمال حلب. فالديمغرافيا ليست متصالحة مع الأتراك. بل العكس. كما أن المقاتلين هم من أبناء المنطقة، وليسوا كمقاتلي “داعش” المجلوبين من مختلف أصقاع الأرض. لذا، فإن دخول الأتراك إلى عفرين، لن يكون سهلاً، إلا إن كانت هناك تفاهمات مع أطراف خارجية، قد تدفع مقاتلي الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى الانسحاب سريعاً.

 

أما إذا واجهت القوة العسكرية التركية مقاومة شرسة في عفرين، فهذا يعني أن الأمريكيين والروس والإيرانيين، أو بعضهم على الأقل، أرادوا تلك المنطقة اختباراً للإرادة السياسية التركية، وللقدرة العسكرية التركية، على حدٍ سواء. وهو اختبار في حال فشلت فيه تركيا، ستكون عواقبه سلبية للغاية على النفوذ التركي في سوريا، وعلى مجمل مصالح الأتراك هناك. وكذلك ستكون نتائجه سلبية على معظم فصائل المعارضة السورية، حتى منها تلك التي تقف على مسافة من الأتراك. أما في حال نجاح الأتراك في هذا الاختبار، فإن ذلك يفتح الباب نحو المزيد من التوسع وتعزيز النفوذ التركي في شمال سوريا. وقد يفتح الباب للانتقال إلى مرحلة منبج. وهو أمر قد يعزز أوراق الأتراك، وحلفائهم من السوريين، على طاولة المفاوضات. سواء في أستانة وسوتشي، أو في مسار جنيف الذي يضم قوى معارضة على صلة وطيدة بالأتراك.

 

فهل ستكون الحرب في عفرين، حرب تحريك، لا أكثر، يتم تحت ظلالها تبادل مناطق النفوذ، فتكون عفرين، لقاء “شرق سكة الحجاز”، مثلاً؟.. أم تكون الحرب هناك منعطفاً نوعياً، عصيباً، نحو إحدى نتيجتين، الأولى، فشل الأتراك وخسارة جانب كبير من نفوذهم في شمال سوريا، والثانية نجاحهم، وتعزز نفوذهم وقوة حلفائهم من السوريين؟

 

الساعات القليلة القادمة ستحسم الإجابة، بصورة جازمة. لننتظر ونرى.

Comments (0)
Add Comment