حازم الامين
من أطلق على رجب طيب أردوغان لقب «أسد السنّة» لا يملك حساسية أخلاقية حيال «أسد سورية»، لا بل هو معجب إلى حدٍ بعيد بـ «أسد» بلاده، بصفته نموذجاً يجب إطاحته لإحلال «أسدٍ» مشابه مكانه. ومناسبة هذا الكلام استئناف جماعات سورية موالية لأردوغان هذه العبارة في سياق حربه على أكراد بلادهم.
والحال أن المرء يعجب من قلة اكتراث أردوغان بالحسابات السورية في سياق تقلباته من موقع إلى موقع، ومن حرب إلى حرب. بالأمس القريب ذهب في خطابه ضد بشار الأسد إلى حدود وصف «صديقه القديم» بالشيطان الرجيم، وها هو اليوم يعود أدراجه إلى موسكو وإلى طهران غير مكترث بما تجرّه هذه العودة من تداعيات على حلفائه من الجماعات السورية المعارضة. وإذا كان من الطبيعي أن يتقدم الحساب التركي حسابات الرجل في سورية، فإن الحساب السوري لا يتقدّم على ما يبدو حسابات أتباعه السوريين. وهذا شأن الجماعات المستتبعة في كل حروبنا الأهلية. وأردوغان غير المكترث للحسابات السورية وما تجر تقلباته عليها من مآسٍ واختلالات، يشبه في قلة اكتراثه، شريكاً إقليمياً آخر له، هو طهران، فالأخيرة بدورها خاضت حروباً هائلة في سورية لم تقم فيها أي اعتبار للحساب السوري. قُتل في هذه الحروب مئات الآلاف من خصومها المذهبيين ومن حلفائها المذهبيين أيضاً، ولم يعن لها هذا أكثر من أثمان «طبيعية» لحرب الحفاظ على الموقع.
والغريب أن طرفي الحرب السورية الإقليميين (إيران وتركيا)، إذا ما اعتبرنا روسيا والولايات المتحدة طرفيها الدوليين، يصولان ويجولان في كل من العراق وسورية في حربٍ واحدة يتحالفان فيها في لحظتها الكردية ثم يعودان ويبتعدان في لحظتها المذهبية بما يشبه رقصة فالس دموية. اليوم حان وقت مدينة عفرين. طهران أفسحت المجال لشريكها في الرقصة الدموية. خطوة إلى الوراء مع ابتسامة لعوب على ما تقتضي قواعد «الفالس»، أما المجتمع المحلي، فهو مكتفٍ بالتصفيق والإعجاب. وأردوغان يحمل «غصن الزيتون» ويتقدم إلى المدينة، على وقع هذا التصفيق. الرجل الذي باع حلب للروس، ويفاوض اليوم على إدلب، غير مكترث بمستقبل المصفقين. يريد أن يهزم الأكراد في عفرين، تماماً كما هزمهم قاسم سليماني في كركوك، مع فارق طفيف يتمثل في أن طهران أهدت بعض غنائم نصرها في كركوك إلى حلفائها من الشيعة في العراق، فيما أردوغان بصدد أن يدفع ثمن نصره لعدوي حلفائه من السنة في السورية، أي إلى موسكو وطهران.
من الصعب ومن المؤلم مطالبة ما تبقى من معارضة سورية بموقف صلب من تركيا، فذلك سيجر عليها أثماناً إنسانية يصعب دفعها اليوم. لكن إعادة النظر هنا تبدو ملحة، والألم السوري فاض على حسابات الحروب الكثيرة التي يشهدها هذا البلد. فأردوغان مثله مثل قاسم سليماني ومثل بشار الأسد تحول راقصاً على دماء السوريين، والرابطة المذهبية جرت على أصحابها ما لا يمكن ضبطه من مآس ليس مصير حلب صورتها الوحيدة.
ثمة حدث هائل في سورية اليوم، وليست عفرين مسرحه الوحيد. عودة أميركية وانعطافة تركية وتحفز روسي، وفي موازاة ذلك لا يبدو أن هناك أثراً لصوت سوري يعلن أنه معني بما يجري. النظام هو الحلقة الأضعف في تحالف موسكو وطهران، والمعارضة عاجزة عن إعلان موقف من فصائل سورية ذاهبة إلى قتال سوريين آخرين إلى جانب جيش غير سوري.
سيتكشف «النصر» التركي في عفرين عن مزيدٍ من الهزائم التي أصابت وتصيب السوريين. سيتعزز موقع موسكو وطهران، وستزيد فرص بشار الأسد في النجاة والاستمرار رئيساً. الذاهبون إلى القتال في عفرين إلى جانب رجب طيب أردوغان، ذاهبون إلى حرب إدامة سلطة النظام الذي قتل السوريين. ألا يتطلب ذلك تضحية مهما كانت أثمانها، موقفاً أخلاقياً على الأقل، صرخة في وجه الشريك القديم الجديد للطاغية؟