عفرين العُقدة التي كشفت المستور

عبد الوهاب احمد

قلتها يوماً : قد تضطر الديكتاتورية والانتهازية أن تصبح وطنية للحفاظ على وجودها واستمراريتها … ، ولم أود الخوض أكثر في هذا الشرح أو المعنى إحتراماً لدماء الشهداء والصامدين في عفرين وعطفاً على نفسية ومزاج الشارع الكردي الذي كان يتابع بتوتر وعصبية مفرطة كل حدث أو خبر قادم من هناك  اليوم لن أتردد في قول رأيي بتجرد بعد أن هدأت النفوس وأزيل بعض الغشاوة عن أعين الكثيرين وخاصة من تقوده العاطفة من أبناء الشعب الكردي

منذ إنطلاقة حزب العمال الكردستاني وإعلانه الكفاح المسلح في بداية الثمانينات من القرن الماضي وبعد انتقال مؤسسه عبدالله أوجلان الى سوريا وممارسة هذا الحزب لنشاطه السياسي في أوساط الكرد السوريين كانت لمنطقة عفرين الحظ الأوفر في رفد الجناح العسكري لهذا الحزب بالكثير من الشباب الكردي الطامح إلى ” تحرير وتوحيد كردستان ” الذي تبناه الحزب كشعار في بداية تأسيسه حيث أصبحت منطقة عفرين البيئة الأكثر احتضاناً لأفكار ب ك ك في سوريا ، وتحولت إلى خزانه البشري وقاعدته الاستراتيجية بعد استلام حزب الإتحاد الديمقراطي زمام الإدارة والسلطة من نظام بشار الأسد بعد إندلاع الثورة في سوريا.

استراتيجية الموقع الجغرافي لهذه المنطقة لا تشبه نظيراتها من المدن الكردية في كردستان سوريا ، فهي الأكثر قرباً من عاصمة الصناعة السورية حلب وعلى نفس البعد أو أكثر بقليل باتجاه الغرب تقترب حدودها من البحر المتوسط ، ومنذ تسلّم حزب الإتحاد الديمقراطي لإدارة المناطق الكردية وإعلانها « فيدرالية شمال سوريا » كان الهاجس الأكبر والامتحان الأصعب للدولة التركية هو كيفية منع و استمرار تواجد “حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري” في هذه المنطقة الجغرافية وذلك نظراً لأهميتها من الناحية الجيوبوليتيك لهذا الحزب ومن يدعمه تنفيذاً لأي مخطط أو مشروع قد ينفذ في الشرق الأوسط بعد أن تضع الحرب أوزارها في سوريا .

لم تخفي الدولة التركية يوما نيتها في اجتياح منطقة عفرين إلا أن الظروف التي مرَّ بها الشمال السوري ودخول الولايات المتحدة الأمريكية على الخط بعد ظهور تنظيم داعش حال دون تنفيد تركيا لوعودها ونواياها وحاولت تركيا مراراً إقناع حليفتها القديمة أمريكا بكف دعمها عن الجناح العسكري ب ي د إلا أن الرد الأمريكي كان جاهزاً و سريعاً : ” نحن ندعم القوات العسكرية التي تحارب داعش ولا ندعم القوات الكردية وبذلك باءت جميع المحاولات التركية الرامية إلى إقناع حليفتها أمريكا برفع الغطاء وقطع الدعم العسكري عن تلك القوات “الكردية ” بالفشل وذلك تزامناً مع الادارة الروسية للصراع

وبين الرفض الأمريكي للإملاءات التركية وقوة الحضور الروسي في المشهد السوري كان لا بدّ من ترتيب جديد للعلاقة مع روسيا بعد أن شهدت العلاقة بين الدولتين ( تركيا ، روسيا ) توتراً وتصعيداً خطيراً جراء إسقاط تركيا لطائرة عسكرية روسية فوق الأراضي السورية ، عرف هذا التحول التركي باتجاه الدب الروسي ” باستدارة أردوغان ” حيث شهدت العلاقة التركية – الروسية تطوراً ملحوظاً بعد الإيعاز التركي للمجموعات المسلحة السورية التي كانت تتلقى الدعم العسكري المباشر منها بالانسحاب من مدينة حلب الاستراتيجية لصالح قوات نظام بشار الأسد واتبعت هذه الخطوة بخطوات مماثلة وبالتنسيق مع إيران عبر البوابة الروسية من خلال ” خفض التوتر أو التصعيد ” في مناطق النزاع بين جيش النظام والمعارضة المسلحة بعد رعاية ثلاثية ضامنة ( روسية – تركية – إيرانية ) لهم في مؤتمر استانة .

أدركت تركيا مؤخراً وبعد التدخل الروسي وبقوة إلى جانب النظام أنه ليس بالإمكان إسقاط الأسد ونظامه وهذا ما  دفع بتركيا لأن تعيد حساباتها في ظل تعاظم قوة وسيطرة غريمه التقليدي حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري على المناطق الكردية المحاذية لحدودها الجنوبية والجغرافية التي تتقاطع فيها المصالح التركية مع روسيا وإيران وخارج سيطرة وأعين قوات التحالف التي تقودها أمريكا هي منطقتي عفرين الكردية التي تديرها ب ي د وإدلب المحشوّة بفصائل المعارضة المسلحة المدعومة تركياً ، ومن هنا بدأ البازار السياسي بين روسيا وتركيا من جهة وبين  النظام وpyd من جهة أخرى وباعتقادي تتلخص هذه المقايضة أو الخطة في عدة نقاط :

أولاً : تنسحب القوات الروسية المتواجدة في عفرين وفتح المجال الجوي في المنطقة أمام الطائرات التركية كون هذه المنطقة خاضعة عسكرياً ومغطى جوياً من قبل القوات الروسية وراداراتها ومنظوماتها الدفاعية الجوية .

ثانياً : يتزامن مع هذا الانسحاب الروسي إنسحاب بعض الفصائل المسلحة السورية المدعومة تركياً والمؤثرة في القتال ضد قوات نظام الأسد من منطقة إدلب وريفها .

ثالثاً : يبدأ القصف التركي بالطائرات على منطقة عفرين بالتزامن مع تقدم قوات النظام في إدلب وسيطرته على مطار أبو الظهور العسكري .

رابعاً : اشتداد القصف الجوي والمدفعي على قرى وأرياف منطقة عفرين وبشكل عشوائي مما يسبب حالة من الخوف والهلع بين المدنيين

خامساً: بعد وصول الشارع الكردي بشكل عام وفي عفرين بشكل خاص الى قناعة بعدم الجدوى من هذه المواجهة العبثية في ظل سقوط العشرات من الضحايا يومياً مع عدو همجي ومتوحش مثل تركيا ، تطرح فكرة تسليم المنطقة إلى النظام السوري حيث تخرج المبادرة على شكل نداءات من قيادة كانتون عفرين وبعض الأحزاب الكردية المتحالفة معها بضرورة قيام الدولة السورية بحماية مواطنيها ونشر قواتها على حدودها الشمالية مع تركيا .

قبل بدء القصف التركي على منطقة عفرين كانت هنالك تسريبات أن عملية دخول الجيش التركي والمجموعات المسلحة السورية كانت بعلم القوات الكردية وقياداتها السياسية في سوريا وقنديل وبترتيب اميريكي – تركي ، إلا أن تخلي الحزب وقواته عن منطقة بحجم عفرين وما لها من ثقل وحاضنة شعبية بالنسبة له ودون قتال وضحايا وتعاطف الشارع الكردي المختلف معه كانت ستحرقه بين جماهيره ومؤيديه بدليل انه بعيد بدء العملية العسكرية التركية في عفرين صدرت مناشدة عاجلة من إدارة كانتون عفرين بضرورة قيام الدولة السورية بواجبها في حماية حدودها الشمالية ضد الهجمات التركية ، تزامن هذا الطلب مع شيطنة خصمه السياسي والمتمثل بالمجلس الوطني الكردي واظهاره كعميل وخائن ” لتعامله مع تركيا والائتلاف في دعمهم للحرب على منطقة عفرين…” ،وبالفعل تم التسويق لفكرة ضرورة انسحاب المجلس الوطني الكردي من الائتلاف وبدأت حملات التشهير بقياداته وأنصاره

وبذلك نستطيع القول أن عفرين تم بيعها دون مقابل لدمشق قبل بدء هذه المعركة المتفقة عليها أمريكاً – روسياً – تركياً – النظام pyd  وليس تقديم المئات من الشهداء والضحايا الكرد المدنيين كقرابين إلا لمصلحة حزب الإتحاد الديمقراطي وخدمة لمشروعه الرامي إلى إجهاض القضية الكردية في سوريا

أن مستقبل حزب الإتحاد الديمقراطي وقواته في المناطق الكردية بقيّ مرهوناً بالتواجد الأمريكي شرق نهر الفرات وتنحصر دورها في حماية المشروع الأمريكي في هذه المنطقة فقط دون أن يكون للخصوصية الكردية أي شأن فيها وهذا ما ستقبله تركيا من pyd فقط لطالما يقوم هذا الحزب بدور الشرطي الشرس ضد أي حزب أو جهة تحمل المشروع القومي الكردي في كردستان سوريا مع مرور الزمن

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Comments (0)
Add Comment